وأيضا قد يكون تضليل ما بين الفكر وما يلفظ به ظاهرا، وذلك أنه ليس ما يريدون فى أنفسهم ويلفظون به شىء واحد ، وكانهم يقولون من الكلام ما يحسن مخرجه ويريدون ما يتخيل أنه خير وأفضل، كقول القائل: ينبغى أن نموت كراما دون أن نحيا حياة دنيئة، والمسكنة مع العدل خير من الغنى مع الجور والظلم، فقد يلفظون بما يحسن مخرجه ويريدون فى أنفسهم ضد ذلك. فمن كان كلامه على الضمير الخفى فى النفس فليقد إلى الظاهر فى القول من محمود اللفظ، ومن كان كلامه على المحمود مما ظهر فليأت إلى الخفى من الضمير: فالشنعة فى القول والذم قد يلزم باضطرار. وقد يلزم الأمرين، جميعا لأنهم أبدا يقولون خلاف ما يظهر من ضميرهم وما خفى. وفى مثل هذا الموضع فسحة للمتكلم بالمعجبات، كالذى يخبر به فى كتاب قلاطن إلى «غرجيا〈س〉» من كلام قاليقلس: وجميع القدماء قد ظنوا أنه يعرض المضاد فيما بين الطباع والناموس. ويقولون أن الطبع والناموس ضدأن، فالعدل من طريق الناموس خير، وليس هو من طريق الطباع بخير. فالواجب لمن أراد أن يقول بالشنعة والأعجوبة أذا سمع قائلا يقول بالناموس أن يسمع جوابه بالطباع، وأذا آثر أن يقول بالطبع إذ يجره إلى الناموس فكلاهما معجب، وأن كان القول صادقا من جهة الطباع والقول بالناموس المظنون عند الكثير. فقد تبين أن هؤلاء القدماء إما متحوا قول المجيب، وإما أنحوه إلى القول بالشنعة والأعجوبة فى الجواب وأن نقض السائل غير محمود على الجهتين ومثال ذلك أن تقول: لأيما ينبغى أن نطيع: أللحكماء
Shafi 867