[chapter 1: 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
«سوفسطيقا» بنقل الفاضل أبى زكريا يحيى بن عدى — أعلى الله منزلته — ، وبنقل أبى على عيسى بن اسحق بن زرعة، وبنقل قديم منسوب إلى الناعمى، مثبت فى كل صفح ما نقله كل واحد، وغيره، عن المعانى الثابتة فى ذلك الصفح
Shafi 737
نقل قديم منسوب إلى الناعمى، ولست أعلم من أى لغة نقله
كتاب أرسطوطالس فى «التبصير بمغالطة السوفسطائية»:
Shafi 740
الذى ينحوه فى هذا الكتاب تبكيت السوفسطائيين الذين يظن أنه نقض للقياس وليس هو فى الحقيقة كذاك، بل هو مغالطة لا حقيقة لها وغير مبطلة للقياس ونبتدىء من أول، إذ النقائض بالطبع، فنقول: إنه قد يكون قياس صحيحا، وقد يكون قياس مشبه ليس بصحيح — وهذا معروف من العوام. فكما أنه قد جاز التشبيه فى سائر الأشياء، كذلك يجوز فى الكلام. من ذلك أنه قد يكون قوم جيندة أخلاقهم بالحقيقة وآخرون متشبهين بهم، فيجبهم القليل من الأمر فيشغلهم، وكذلك الصحاء فإن منهم صحيحا فى نفس محاسن الجمال، ومنهم من يتخيل أنه جميل لمكان الهيئة والزينة وكذلك نجد فى الأشياء التى لا نفس لها مثل الدنانير والدراهم: فإن منها ذهبا صحيحا وفضة صحيحة بالحقيقة، ومنها ما ليس هو كذلك إلا أنه يتخيل للحس فيشبه الصحيح من الذهب والفضة وهو فى نفسه مدخول: إما رصاص قلعى، وإما مموه بالمرداسنج أو ذهب مصبوغ، وكذلك حال القياس. والتبكيت الناقض على القياس، وهو الذى يسمى النكس، فإن أحدها موجود بصحة، والآخر ليس بالصحة وجوده، إلا أنه يتخيل لمن لا خبرة له به ولا تجربة للأشياء، فكأنه ينظر إليها من بعد، فمن أجل ذلك يشتبه عليه. وإنما القياس بالحقيقة شىء تتقدمه أشياء يتولد منها غيرها باضطرار. فأما التبكيت فإنه قياس مناقض للنتيجة. وقد يفعل السوفسطائيون ذلك وهم لا يظنون أنهم فعلوه لعلل كثيرة أحدها لحال الأسماء، وإن كانت لطيفة المأخذ مشهورة فى العوام؛ لأنه لما لم يمكنا عند لفظنا أن نباشر الأشياء، بل إنما نستعمل الأسماء
Shafi 743
مكان الأشياء كانت أسماء الأشياء دليلة عليها وعلامات لها. فظننا أنه يعرض للأشياء ما يعرض فى الأسماء كما يعرض للمتفكرين فى الحساب؛ إلا أن ذلك ليس شبيها بهذا، لأن الأسماء ذوات نهاية، وكذلك كثرة الكلام ذو نهاية. فأما الأشياء فلا نهاية لعددها. وقد تكون كلمة واحدة واسم واحد دليلين على أشياء كثيرة باضطرار. وكما أن هناك من لم يكن ماهرا بمطارحة الحساب يصير إلى الحيرة فى الكلام مع أهل البصر بالحساب، كذلك يصير فى الكلام من لا خبرة له بقوة الاسماء، فيضل فكره: كان متكلما أو مستمعا. فلهذه العلة وللتى سنقولها يكون القياس والتبكيت المتحايل أنه، وليس بالحقيقة تبكيتا. فلما كان أقوام يظن أنهم حكماء قبل أن يحكموا على أنهم لو كانوا كذلك لم يظن بهم أكثر من ذلك — كذلك حكمة السوفسطائيين يظنون بها أنها حكمة وليست حكمة. والسوفسطائى بعينه معناه أنه متراء بالحكمة بتخيله الحكمة وليست حكمة بالحقيقة. ومن أجل ذلك وجب بالاضطرار أن تكون غاية السوفسطائى أن يكون يظن به أنه قد فعل الحكمة وهو لم يفعلها ولا يظن به أنه يفعلها. وقد يجوز أن نقول بقول مختصر فى كل علم أنه لا يكذب فيما علم، وأن له مقدرة على إظهار كذب كذبه، وإنما يكون ذلك بشيئين: أحدهما القدرة على الجواب، والآخر بفهم ما ورد عليه من القول. فمن أراد أن يسلك طريق السوفسطائيين فهو مضطر إلى طلب جنس هذا الكلام الذى ذكرنا، لأن هذا هو الواجب قبل العمل. وبهذه القوة أمكنهم التصنع بزى الحكمة، لا عن نية منهم لطلبها. وقد تبين أنه قد يوجد جنس لمثل هذا الكلام. وإنما سمينا «سوفسطائى» لمن اشتهى مثل هذه القوة. ونحن قائلون كم نوع يكون كلام السوفسطائيين، وكم العدد الذى منه قوام قوتها، وكم أجزاء صناعتهم. ونقول أيضا فيما كان متمما لصناعتهم فيكون ذلك كاملا.
[chapter 2: 2] 〈أنواع الحجج فى المناقشة〉
إن أجناس الكلام فى كل فن منه أربعة: منها جنس تعليمى، وجنس جدل، وجنس امتحان، وجنس مماحكة.
Shafi 748
فجنس الكلام الذى من طريق التعليم وإفادة العلم لا يكون إلا من خاصة أوائل ذلك العلم المستفاد، لا من حاصل جواب المجيب فيه؛ ولذلك يجب التقليد على المتعلم. وجنس كلام الجدل لا يكون إلا من جمع فكر محمود مناقض للقول. وجنس كلام الامتحان والاختبار لا يكون إلا من الأشياء المظنونة عند المجيب واللاتى يضطر إلى علمها من أراد إيجاد الحكمة كالذى فصلنا وجر بنا فى غير هذا الكتاب. وجنس كلام المماحكة لا يكون إلا من أشياء محمودة فى ظاهرها وليست بالحقيقة من صنف القياس أكثر من أنها كذلك فيما ظهر منها. وقد تكلمنا فى كتاب «أنالوطيقا» — ، وهو الكتاب الثالث من كتبنا — فى جنس كلام التعليم البرهانى، وتكلمنا أيضا فى جنس كلام الجدل والامتحان قبل هذا الكتاب، وهو الكتاب الرابع: «أفود قطبقى». فأما جنس كلام المماحكة والمنازعة فنحن متكلمون فيه فى كتابنا هذا، وهو الخامس.
[chapter 3: 3] 〈الأغراض الخمسة للحجاج السوفسطائى〉
Shafi 752
فلنضع أولا الجهات التى يستعملها هؤلاء الذين يشغبون ويماحكون بكلامهم وهى خمسة عددا: أولها التبكيت، والثأنية الكذب، والثالثة ضعف الفهم لما يدخله من شكوك، والرابعة العجومة، والخامسة الهذر والهتار — وهذه الخصلة تضطر المتكلم إلى تكرار كلامه أو بتكلم بالشبه والتمويه لا بالحقيقة. فغايتهم أولا أن يكونوا مبكتين فى ظاهر أمرهم؛ وثانيا أن يروا أن المتكلم كاذب وأن يروا الكذب؛ وثالثا أن يضعفوا الفهم ويقودوا إلى الشك وقلة اليقين؛ ورابعا أن يضطروا المتكلم إلى العجمة بحرف يأتون به فيبقى المجيب فيه مستعجما عنه؛ وخامسا تكرير الكلام بالهذر والهتار.
[chapter 4: 4] 〈التبكيت فى القول وخارج القول: التبكيت فى القول〉
Shafi 753
وأنواع التبكيت على جهتين: منها ما يكون بالكلمة، ومنها ما يكون خارجا من الكلمة. فاللاتى
Shafi 754
مداخل الشبهة على الفهم بسبب الكلمة الملفوظ بها ستة عددا: أولها اشتراك الأسماء؛ والثانى الشك فى الكلام؛ والثالث تركيبه؛ والرابع تجزئته وقسمته؛ والخامس إعرابه بالعلامات والنقط؛ والسادس صورة الكلام وشكله. وتحقيق ذلك أنا نكرر الكلام والأسماء مرارا بأعيانها فلا ندل بها على شىء واحد. فالكلام الذى من اشتراك الأسماء مثل قولك إنما العلماء بالنحو يعلمون وإن الذى أطلقت ألسنتهم منذ قريب يعلمون. فالتعليم اسم مشترك يقع على الذى يتفهم هو ونفسه ويستنبط، وعلى الذى يستفيد ويتعلم من غيره. فأما فهمه والمعرفة به فذاك استعمال العلم واتخاذه. وكقولك إن الضرر خير، والخير قد ينبغى أن يكون، فالضرر إذا ينبغى أن يكون. وقولك «ينبغى» على جهتين: إحداهما الواجب الذى يعرض كثيرا من فنون الضرر والشرور، فقد يكون شر باضطرار. والجهة الأخرى أن الخير ينبغى أن يكون غير مدافع. ونقول أيضا فى الشىء الذى بعينه إنه كان قاعدا وقائما، وصحيحا ومريضا، والذى كان قائما «قام»، والذى كان صحيحا «صح»؛ ولم يقم إلا القاعد، ولم يصح إلا المريض. فأى شىء فعل المريض أو فعل به فليس يدل على شىء واحد إلا أن يلحق بذلك شىء كان فعله إذا كان مريضا أو إذا كان صحيحا أو إذا كان قائما أو إذا كان قاعدا. فالفعل من المريض يدل أحيانا على فعل المريض اليوم، وأحيانا على فعل مريض كان مريضا قبل اليوم؛ ويسمى صحيحا متى نقه من مرضه، ويسمى صحيحا من ليس له عهد بمرض. فهذا ومثله من اشتراك الأسماء.
Shafi 759
والشك فى الكلام كقولك: الشىء الذى يعرف الإنسان هو يعرف، والإنسان يعرف الحجر، والحجر إذا يعرف. فإن قولك: «يعرف» قد يقع على العارف وعلى المعروف. وأيضا الشىء الذى يراه الإنسان هو يرى، والإنسان قد يرى الأسطوانة، فالأسطوانة إذن ترى. وأيضا ما قال الإنسان إنه كذلك فهو كذلك؛ والإنسان قال حجر؛ فهو إذن حجر. وأيضا ما قلت فيه إنه قد تقول فى نفسك إنك بمثل ما قلت فيه فقد تقول فى الحجر إنه، فأنت حجر لا محالة. وأيضا كقولك: هل يجوز أن يتكلم إلا متكلم؟ — كان ذلك على جهتين: أحدهما على صمت المتكلم؛ والآخر على أنقطاع الكلام.
Shafi 763
وقد يكون أيضا من اشتراك الأسماء والتشكيك ثلاثة أنحاء: منها إذا كان الاسم والكلمة يدلان بالكثير على الحقيقة كقولك: عقاب، كلب. ومنها إذا قلنا ما جرت عليه عادتنا. ومنها ما إذا كان مركبا مؤلفا دل على الكثير، وإذا كان مفترقا على غير تأليف دل على مبسوط من الأمر مرسل كقولك: علم الكتابة. فكل واحد من هذين الحرفين إذا أنفرد دل على شىء واحد إن قلت: «علم»، وإن قلت: «كتابة». فإذا اجتمعا دلا على الكثير، إما أن يثبت للكتابة علم، وإما أن الكتابة للكاتب. — فالتشكيل والاشتراك فى الاسم إنما يكون من هذه الأنحاء. وقد يكون من التركيب والتأليف أنحاء غيرها كقولك: قد يستطيع الجالس أن يمشى، ومن لا يكتب أن يكتب، فلا تكون دلالة هذين القولين بحال واحدة إذا كان القول مؤلفا أو مفترقا. وذلك أنك إذا قلت بالتأليف إن من لا يكتب يكتب دللت على أن له قوة على الكتابة فى الوقت الذى لا يكتب، وعلى تعليم الكتابة واستفادتها فى الوقت الذى لا يعلم. ومما يشبه ذلك أن نقول إن الذى يستطيع أن يأتى بشىء واحد قد يستطيع أن يأتى بالكثير. فهذه الأنحاء التى تكون من تأليف الكلام وتركيبه.
Shafi 764
ونقول بالتجزئة والقسمة كقولك إن الخمسة اثنان وثلاثة، أزواج وأفراد؛ ويقال الأكثر مساو لمثل هذا العدد ولأكثر منه قليلا، وليس ما فضل من الكلام ثم ألف كانت دلالته واحدة وإن ظن به ذلك. وتقول: أنا صيرت الأحرار عبيدا.
Shafi 765
ونقول إن الماجد أشلوس قتل من خمسين رجلا مائة.
Shafi 769
فأما النوع الذى يكون من جهة الإعراب وتعجيم النقط والعلامات فليس يسهل علينا الكلام فيه دون أن ننطس بكتاب مقدمات أهل المجادلة. ولكنا سنبين منه شيئا بما قد كتب وقيل من الأشعار مثل قول من [أ]عاب أوميروس وخطأه فى قوله إن كذا وكذا ليس شانيا للمطر، فأجاب عنه أقوام فقالوا بوضع علامة فى التعجيم على لفظة «ليس» فينقلها فتصير على جهة الاستفهام فيصح معناها. ويقولون فى منام أغا ممنن: ليس زوس القائل يعطيه الفخر، لكنه أمر لصاحب الرؤيا أن يعطيه الفخر. فهذا من القول — ومثله يدخل التشبيه بسبب التعجيم والإعراب وهو منصرف غير ثابت.
Shafi 770
فأما الأنحاء التى تكون من شكل الكلام فإنها أنحاء ثلاثة، لا مثل الكلمة إذ كانت بحال واحدة ولم تتقسمها تلك الحال. فأصل الكلمة التى تصير المذكر مؤنثا والمؤنث مذكرا أو تكون ما بين هذين فيوضع مكان واحد منهما، أو توضع الكمية مكان الكيفية، أو الكيفية مكان الكمية، أو الفاعل مكان المفعول، أو المفعول مكان الفاعل، وسائر ذلك مع مثل ما قسمنا وجزأنا أولا. فكثيرا ما تكون الكلمة دليلا على مفعول، ومخرجها يدل على فاعل — من ذلك أن القوى تدل على كيفيته ووصفه. وقولك: «يقطع»، «يبنى» قد يدل على كيفية فعله ذلك. وكذلك يجرى هذا القول فى سائر الأشياء المشاكلة له.
والمباكتات التى تكون من الكلام فبهذه الجهات تكون. فأما أنواع المضلات التى تكون خارجة من الكلام فهى سبعة عددا: الأول منها يكون بالعرض: والثانى — مرسلا كان أو غير مرسل —، يكون إما فى شىء، وإما فى مكان، وإما فى زمان، وإما مضافا إلى شىء. والثالث يكون من قلة العلم بالتبكيت. والرابع يكون من لواحق الكلام ومن وضع المقدمات. والخامس يكون من أول المسئلة. والسادس يكون بإثبات علة لا كعلة. والسابع أن يجعل المسائل الكثيرة مسئلة واحدة.
[chapter 5: 5] 〈التبكيتات التى خارج القول〉
فالمضلات التى تكون من الأعراض هكذا تكون: أن تضع مقدمة فيثبت معنى واحد.
Shafi 771
للشىء الذى فيها وللعارض لها وليس هى بالاضطرار لما تثبت له وحده، بل هى لآخرين معه — ومثال ذلك أن يقال إن كان قوريسقوس سوى الإنسان فهو إذن سوى نفسه لأنه إنسان، وإن كان آخر غير سقراطيس، وسقراطيس إنسان، فالإنسان إذن غير الإنسان، لأنه عندما قال: سقراطيس إنسان، عرض من ذلك ما أضل معنى الإنسان. فهذه الطرائق المضلات مما يعرض من المقدمات والمضلات التى تكون بقول مرسل قد تكون مرة على غير تحقيق، فإنها مستفاض على الكثير؛ وهكذا إذا كان الذى يقال بالجزء متاولا على الكثير بقول مرسل كقولك إن كان ما ليس بموجود متوهما كأنه موجود فقد يصير إذن ما ليس موجودا كأنه موجود، وليس يستوى أن يكون الشىء بالحقيقة وألا يكون، بقول مرسل، ومن ذلك أن تقول أيضا إن الذى هو موجود ليس بموجود، إذ من الأشياء شىء ليس كذلك: كقولك ليس إنسان. وليس يستوى أن يكون الشىء موجودا بالصحة وألا يكون إلا بالمرسل من القول، فقد يرى ما كان مثل هذا القول فى مقاربة الكلام أن الاختلاف فيه قليل، وكذلك فيما يثبت وجوده بالحقيقة وما لم يثبت إلا بالمرسل من القول. وعلى هذا النحو يكون الضرب الثانى من المضلات خارجا من الكلام — مرسلا كان أو غير مرسل — إما فى شىء، وإما فى مكان، وإما فى زمان، وإما مضافا إلى شىء — كقولك إن كان جميع الإنسان أسود وهو أبيض فى أسنانه فقد يكون إذن أبيض وغير أبيض، وهذا يكون فى الأمرين من جهة المكان ومن أجل أن الأضداد فيه معا. وما كان بهذا النحو فمعرفته يسيرة على كل أحد فى طوائف من الأشياء كقولك إن أنت أخذت حبشيا أبيض الأسنان؛ فإنه إذا كان بهذه الجهة أبيض وجب أن يكون أسود وغير أسود فترى أنك قد صرت إلى حملنا بطلب المسؤول إذ وجب أن يكون أسود وغير أسود بما يعاب من الفكر وأتممت عليه من مسئلتك إياه. فأما طائفة من الناس فقد نعت هذا المذهب عليهم كثيرا، وذلك إذا قيل منه فى شىء إنه سواء بأنه لم يلحقه ما قيل فيه بالقول المرسل: وكذلك ليس كل ما ليس بيسير المعرفة لا يعلم من الأشياء أنها تثبت بحقيقة وأنها لا تثبت، وإنما يكون هذا النحو فى الأشياء التى يكون الاختلاف فيها بالسواء ولأنه يظن التئاما كليهما ألا يكون حقا ولا فى واحد منهما كقولك: إن كان نصف الشىء أبيض ونصفه أسود فبأيهما تنعته: بالأبيض أم بالأسود؟ فأما الذين يضللون وهم لا يحدون ما القياس
Shafi 778
وأما المباكتة فإنما يكون ذلك منهم لمكان النقص فى الكلام، وذلك أن نفس التضليل إنما هو أنطيفاسيس، أى مناقضة الشىء بعينه المفرد الذى ليس باسم، بل هو غير مسمى باسم، بمواطأة مقرون إلى اسم شىء غيره فيتناقض ذلك الشىء بعينه بالأشياء التى يؤتى بها بالاضطرار، ولا يعد معه ما كان فى الابتداء، بل يكون بحال واحدة وإلى شىء واحد، كالذى كان فى زمان واحد. وعلى هذا النحو يكون الكذب على الشىء. فبعض الناس إذا نقضوا شيئا من هذه التى ذكرنا كانوا كالمبطلين، كقولك: إن الشىء بعينه ضعف وغير ضعف، وذلك أن الاثنين ضعف الواحد وليسا هما بضعف الثلاثة، وكقولك إن الشىء نفسه ضعف نفسه وغير ضعف، لا من جهة واحدة: فيكون من جهة الطول ضعفا، وليس ضعفا من جهة العرض، أو يكون ضعفا من جهة واحدة ونحو واحد، لأن ذلك ليس معا، من أجل ذلك يتخيل أنه من الكلام تضليل. وقد يجوز أن نضع هذا النحو مع الأنحاء التى قلنا إنها تكون من نقض الكلام.
Shafi 781
فأما الضروب التى تكون من المأخوذ فى بدء الكلام فقد يجوز لها أن تكون بكل جهة كان فيها افتتاح المسئلة. وبذلك القدر من الكلام يرى أنها مضللة مبكتة للذى لا يجد سبيلا إلى مقدمة للفصل بين الشىء من غيره.
فأما التبكيت الذى يكون من لواحق الكلام فإنما يكون للذى يظن المتكلم أنه قد أقلب لاحقة الكلام، كقولك إنه متى كان هذا باضطرار فقد يظن بغيره يكون كذلك باضطرار من أجل ما يعرض ذلك للوهم من قبل الحس، فقد ظن بالمرة أنها عسل لمكان الصفرة التى فى لونها. وقد يعرض للارض أن تبتل بعد المطر، فمتى كانت مبتلة ظننا أن ذلك لمكان المطر، وليس ذلك باضطرار. وكذلك برهان أصحاب الهذر إنما يثبتونه من قبل العلامات التوابع، لأنهم إذا أرادوا أن يثبتوا على إنسان أنه زأن أخذوا برهان ذلك مما يلحق بذلك الإنسان، فيقولون إنه متصنع بالزينة، أو أنه لا يزال يرى بالليل مترددا، وقد يكون هذا فى الكثير من الناس فلا يثبت من ذلك نعت.
Shafi 782
الرأى، فكذلك يكون فى الأشياء المنسلجسة، أى المحمولة على القياس، كقول ما لسس الحكيم إن الكل لا نهاية له، وذلك أنه جعل مقدمته أن الكل من شىء ليس بمكون (ومن غير شىء لا يكون شىء)، وأن الكائن إنما كان بأولية. فإن كان الكل من شىء ليس بحادث فليس للكل أولية. من أجل ذلك وجب ألا تكون له نهاية. وليس يثبت هذا المعنى باضطرار، لأنه وإن كانت أولية لكل كائن فليس يلزم باضطرار ما كانت له أولية أن يكون حادثا، كما أنه لا يلزمنا إذا نحن قلنا إن المحموم حار أن نجعل كل حار محموما باضطرار.
Shafi 787
فأما النوع السادس الذى يكون بإثبات ما ليس بعلة كعلة فإنما يكون بأخذنا العلة فى غير موضعها، فيكون التبكيت من أجلها. وقد يعرض مثل هذا فى السولوجسموسات التى تكون على غير مثال، وذلك أنه لابد من رفع شىء من الموضوع فيها. فإذا عددت مع المسائل اللازمة ظن بها مع الذى هى عليه من غير الإمكان أنها ممكنة. ومثال ذلك أن القول: ليست النفس والحياة شيئا واحدا — أنه إن كان الكون ضد الفساد، فقد يجوز أن يكون كل جزئى ضد فساد جزئى، والموت ضرب من ضروب الفساد، وهو مضاد للحياة، فيجب بذلك أن تكون الحياة كونا وأن الحياة تتكون، وذلك مالا يمكن، فلا محالة أنه ليس النفس والحياة بحال واحدة. ولا ضائع لإقامة هذا المعنى جميع السولوجسموسات، فإن القائل لم يقل إن النفس والحياة بحال واحدة فيعرض من ذلك غير الإمكان، ولكن سيعرض أقل ما فيه التضاد. وذلك أن الحياة ضد الموت الذى هو فساد، والكون ضد الفساد، فهذا ومثله من الكلام ليس هو مؤلفا منه على ما يكون عليه تأليف السولوجسموس. وقد يذهب مثل هذا على أصحاب المسئلة بأعيأنهم فيجهلونه مرارا كثيرة.
Shafi 788
فهذا ومثله أنواع تهجين الكلام من لواحقه من إثبات ما ليس بعلة كعلة، فيظن أن ذلك تبكيت. وقد يكون ضروب غير هذه فى تهجين الكلام إذا جعلت المسألتين مسئلة واحدة أو إن 〈كان〉 كثير الجهل لشىء معهن فأجاب بجواب مسئلة واحدة.
Shafi 789