Sudan
السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية (الجزء الثاني)
Nau'ikan
وإني لآمل أن تجدوا متسعا لنشر هذه الرسالة في جريدتكم الغراء، واقبلوا شكري سلفا. (7) إنقاذ السودان - في كتاب القاضي بيير كرابيتس
ذكر القاضي الأمريكي كرابيتس أيضا شؤون مصر والسودان في كتابه «غوردون ومكافحة الرقيق الأبيض». حيث انتهى فيه عند مصرع غوردون في الخرطوم، وهو مؤلف كتاب «إسماعيل الخديوي المفترى عليه». وقد رد فيه على بعض ما عزي إلى الخديوي إسماعيل ردا قائما على تحليل الوقائع والموازنة بين أقوال المؤرخين. وألف أخيرا كتابه الثالث،
11
يتتبع فيه المساعي التي بذلت لاسترداد السودان وسير أحواله من سنة 1899 وما بعدها.
ويقول المؤلف: إن كتشنر الذي كان أبرز شخصية في استرداد السودان بعد كرومر ، إنما اتصل اتفاقا بالقائمين من الإنكليز على شؤون مصر. فقد كان ضابطا في القسم الهندسي في الجيش البريطاني وعهد إليه في الإشراف على مسح جزيرة قبرص، فلما نشبت ثورة عرابي، طلب إجازة مرضية وأتى إلى مصر، وكانت إجازته المرضية لا تتعدى أسبوعا، ولكن يظهر أن الضابط المهندس عجز - اتفاقا - عن اللحاق بالسفينة التي كان عليه أن يعود بها إلى قبرص. ويظهر أنه في خلال إقامته بالإسكندرية اتصل بأحد ضباط «الاستخبارات العسكرية» فلما تأخر عن عودته إلى قبرص أبرق أميرال الأسطول البريطاني إلى حاكم قبرص يطلب تمديد إجازة كتشنر فرفض هذا طلب الأميرال مصرا على وجوب احترام النظام. فكتشنر عاد إلى قبرص، ثم جاء إلى الحاكم طلب من الجنرال ولزلي من مصر يطلب فيه أن يسمح له بكتشنر وكذلك كان. ومن محاسن الصدف أن كتشنر كان مهندسا. فإن الحملة التي جردت لاسترداد السودان كانت تحتاج إلى عمل مهندس ينظم لها جميع وسائل التقدم ويكفل لها أسباب الشرب والغذاء والوقاية من الأمراض.
وقال في فصل عنوانه «تمويل الحملة»: لما تقرر إيفاد الحملة لاسترداد السودان نشأت مسألة المال الذي ينتظر إنفاقه في هذا السبيل. فلندن ذهبت إلى أن استرداد السودان مسألة مصرية بحتة، وأنه من العدل أن تنهض الخزانة المصرية بالنفقات المطلوبة، وأن ذلك في وسعها. ولكن يظهر أن لندن لم تلتفت حينئذ إلى أن مفتاح الخزانة المصرية، كان في أيدي لجنة دولية هي لجنة صندوق الدين. هنا نشأ صراع بين لورد كرومر وطائفة من أعضاء صندوق الدين على مسألة استعمال جانب من مال الحكومة المصرية في تمويل حملة السودان؛ ذلك أنه بعدما قر القرار على «حملة دنقلة» طلب من صندوق الدين أن يمنح 500 ألف جنيه من الاحتياطي العام لهذا الغرض فأقر الصندوق ذلك باتفاق أربعة أصوات على صوتين، وكان المعارضان مندوبي فرنسا وروسيا، فأقاما قضية في محكمة مصر المختلطة.
ثم ذكر المؤلف تفصيل الاتفاق على حكم السودان حكما ثنائيا باسم سمو خديوي مصر، ثم بعد مصرع السردار سنة 1924 والسعي لوضع اتفاق خاص بمياه النيل ومواد ذلك الاتفاق من ناحيتيها النظرية والعملية، ورأي الخبراء فيها باسطا وجهة نظر مصر في مسألة السودان بسطا شافيا، وكذلك وجهة النظر البريطانية: وفي آخر الكتاب ثلاثة فصول في السودان وزراعة القطن فيها، قال: إن هذه الزراعة غير ناجحة، وإن العامل الفاصل في مستقبل السودان، من ناحية بريطانيا، هو مستقبل مشروع الجزيرة. فهل يستأهل هذا المشروع كل هذا العناء؟ هل هو جدير بتأخير الاتفاق مع مصر على حسابه؟ يقول القاضي كرابيتس أخيرا في كتابه كلمة وردت في رسالة غوردون إلى أخته أن «السودان لن يكون من الوجهة العملية البريطانية عملا رابحا». (8) السودان: بقلم صاحب الدولة حسين باشا رشدي
12 (8-1) السودان حياة مصر
إنما السودان لهو الحياة بذاتها لمصر؛ لأنه منبع النيل. ومصر هي التي فتحت السودان في الأصل ولم تضن في هذا السبيل بأية تضحية بالرجال أو بالمال. وهذا الفتح بدأ على عهد محمد علي، وتم على عهد إسماعيل الذي ضم مناطق البحيرات الكبرى حتى منابع النيل وبحر الغزال وخط الاستواء، ثم سواحل البحر الأحمر حتى رأس غردفوي. وجعل الأوغندا تحت حماية مصر. ونال من الباب العالي إدارة سواكن وزيلع وملحقاتها، واتخذ لنفسه لقب خديوي مصر وصاحب نوبيا ودارفور وكردوفان وسنار. واعترفت الفرمانات السلطانية التركية لمصر بامتلاك هذه الأقاليم السودانية، واعترفت الدول بهذه الفرمانات ذاتها.
وفي سنة 1885، جلت الحكومة المصرية، تحت ضغط الحكومة الإنكليزية، عن أكثر هذه الأقاليم السودانية. ولكنها خرجت منها على نية العودة إليها ومع العزم الأكيد على احتلالها ثانية عند سنوح أول فرصة ملائمة. وهذا العزم واضح كل الوضوح من المستندات الرسمية المصرية، فوزارة شريف باشا فضلت الاستعفاء على قبول ترك السودان ولو تركا موقوتا.
Shafi da ba'a sani ba