أم أن المنهج لم يكن أصيلا، بمعنى أنه قد اصطنعه عمدا لتحقيق أغراض خاصة، أو لتجنب أضرار معينة كان يمكن أن يجلبها عليه التعبير المباشر؟ سنبدأ أولا بعرض الآراء المختلفة التي تساق لتأييد كل من هذين التفسيرين. (1) المنهج الهندسي بوصفه طريقة أصيلة للتعبير (أ)
أول تبرير لاستخدام هذا المنهج هو أنه أفضل وسيلة للتعبير عن الأفكار بدقة كاملة، وقد امتدح «لودڨيك ماير» المنهج الهندسي لهذا السبب في مقدمته التي صدر بها كتاب «مبادئ الفلسفة الديكارتية»؛ فهو أفضل طريقة للوصول إلى اليقين، وللتخلص من الخلط الذي اتسمت به الفلسفات السابقة. وهنا يعد اتباع اسپينوزا لهذا المنهج تحقيقا لأمنية سبق أن أعرب عنها ديكارت، ومهد لها الطريق بكشوفه الرياضية، وبمحاولته تطبيق منهج الرياضة على الفلسفة في «الرد على الاعتراض الثاني» (الملحق بكتاب «التأملات»). (ب)
ويقرب من ذلك القول بأن اسپينوزا أراد أن يتجنب الأسلوب البلاغي والإطناب الذي يرتبط عادة بالكتابة المسترسلة،
3
وأن يكتب على نحو يوصله مباشرة إلى الحقائق، ويضمن لقارئه أقل قدر ممكن من المؤثرات الانفعالية التي تبعد ذهنه عن الموضوع الحقيقي.
4 (ج)
وهناك رأي يربط ربطا قويا بين صورة تفكير اسپينوزا ومحتواه ويؤكد أن استخدام اسپينوزا للمنهج الهندسي لم يكن أمرا عارضا أو اختياريا، هو الرأي القائل إن المنهج الرياضي يستبعد الطريقة الغائية في التفكير، وأنه يتفق مع روح المعقولية والإيمان بالعلم السائدة في فلسفة اسپينوزا، ويتضمن دعوة إلى التفكير الدقيق واستبعاد الغائية والخيال المؤدي إلى التشبيه بالإنسان.
5
ويؤيد هذا الرأي اسپينوزا ذاته؛ إذ يقول في مقدمة كتاب «البحث السياسي»: «لقد اعتزمت، في خوضي موضوع السياسة، أن أبرهن بطريقة مؤكدة يقينية في الاستدلال ... على أكثر الأشياء اتفاقا مع الواقع الفعلي. ولكي أبحث موضوع هذا العالم بنفس حرية الروح التي نستخدمها عادة في الرياضيات؛ فقد بذلت كل جهدي حتى لا أسخر أو أنعى أو أغضب، بل لأفهم أفعال البشر. ولهذه الغاية نظرت إلى الانفعالات كالحب والكراهية والغضب والحسد والطموح والشفقة وغير ذلك مما يعكر صفو الذهن، لا على أنها رذائل في الطبيعة البشرية، بل على أنها خصائص مرتبطة بهذه الطبيعة، مثلما يرتبط الحر والبرد والعواصف والرعد وما شابه ذلك بطبيعة الجو، وهي كلها ظواهر، وإن تكن معكرة، فإنها مع ذلك ضرورية، ولها أسبابها الضرورية.»
6 (د)
Shafi da ba'a sani ba