mode
تتفق مع آخر ما قاله اسپينوزا في هذه الموضوعات، ولوجدناه يتحدث فيها عن تدوين أفكاره بطريقة هندسية، وعن إرسالها إلى أولدنبرج ليفحصها، وكان ذلك منذ عام 1761م. فمن العسير في هذه الحالة التحدث عن تطور فكري بمعنى وجود مراحل متميزة في تفكيره. ومن الطبيعي أن نظرته السياسية إلى عصره قد تطورت بتطور الأحداث السياسية ذاتها، وفي هذا كان «فوير» محقا دون شك، غير أن موقفه الفلسفي العام، من حيث منهج التفكير واتجاهه إلى التحرر الذهني وتمجيده للإنسان ومعقوليته الكاملة ونزعاته العلمية الواضحة، كل هذه الصفات الرئيسية كانت ملازمة له من البداية إلى النهاية.
الفصل الثاني
دلالة المنهج الهندسي
لم يكن اسپينوزا أول من ربط بين المنهج الهندسي وبين الكتابة الفلسفية؛ فقد استخدم هذا المنهج جزئيا في العصور القديمة، في كتابات فورفوريوس وپرقلس
وكان طريقة شائعة للشرح والبرهان بين فلاسفة العصور الوسطى.
1
أما في عصر اسپينوزا ذاته فقد أدت نهضة العلوم الرياضية، ونجاحها الهائل في ميداني الفلك والفيزياء، إلى دعوة الكثير من المفكرين، مثل ديكارت وهبز، ثم ليبنتس فيما بعد، إلى الاقتداء بالدقة الرياضية في صياغة الأفكار الفلسفية، وإلى جعل الرياضة أنموذجا ومثلا أعلى للمعرفة البشرية في كافة ميادينها، وإذن فلم يكن اتباع اسپينوزا للمنهج الهندسي في كتابي «مبادئ الفلسفة الديكارتية» و«الأخلاق» بدعة ليست لها سوابق في تاريخ الفكر الفلسفي، ولكن الذي نود أن نثبته في هذا الفصل هو أن استخدام اسپينوزا لهذا المنهج في كتاباته كانت له دلالة خاصة تزيد على كونه مجرد اقتداء بمثل أعلى سائد في عصره.
ولا بد لأي بحث منظم عن الدلالة الحقيقية لهذا المنهج، أن يقدم إجابة على سؤال أساسي هو: هل كان المنهج الهندسي عند اسپينوزا أصيلا؛ أعني هل كان اسپينوزا مقتنعا بأن هذه هي الطريقة الطبيعية الملائمة للتعبير عن آرائه الفلسفية، بحيث تكون صورة تفكيره، كما قال «چويكم»، مرتبطة ارتباطا وثيقا بمادته،
2
Shafi da ba'a sani ba