يحكونه عن العرب ويروونه وليس هذه المسألة من قبيله بل العرب مجمعون معنا على تسمية الكلام المفيد وغير المفيد بأنه كلام. وليس يمكن جحد ذلك عنهم.
فأما طريقة التعليل فإن النظر إذا سلط على ما يعلل النحويون به لم يثبت معه إلا الفذ الفرد بل ولا يثبت شيء البتة. ولذلك كان المصيب منهم المحصل من يقول هكذا قالت العرب من غير زيادة على ذلك فربما اعتذر المعتذر لهم بأن عللهم إنما ذكروها وأوردوها لتصير صناعة ورياضة ويتدرب بها المتعلم ويقوى بتأملها المبتدئ. فإما أن يكون ذلك جاريا على قانون التعليل الصحيح والقياس المستقيم فذلك بعيد لا يكاد يذهب إليه محصل. على أنه قد يمكن أن يقال: إن المتقدمين من أهل النحو تواضعوا في عرفهم على أن سموا الجمل المفيدة كلاما دون ما لم يفد لا أن ذلك على سبيل التحقيق. كما أنهم سموا هذه الحوادث الواقعة كضرب وقتل أفعالا. ولو عدلنا إلى التحقيق ورفض عرفهم كانت أسماء لما وقع من الحوادث. أما تسليمه أن كل من نطق بكلمة واحدة يقال له تكلم ولا يقال قال كلامًا. واعتلاله بأن كلامًا وقع اسما لمصدر ونائبًا وذلك المصدر موضوع للتكثير فيجب أن يوفي حقه فمن طريف ما يعتمد عليه.
وذلك أن التكثير موجود في لفظ تكلم وقد أجازه مع القلة فكيف لم يجز ذلك مع المصدر الذي ليس في لفظه التكثير. وإنما هو نائب عن ذلك في لفظه. فإذا جاز هذا في الأصل فهو فيما ينوب أسوغ وأليق.
وأما قولهم أنهم لم ينطقوا في الكلام إلا بفعل التي هي للتكثير لشرف الكلام عندهم فذلك هو الحجة في إطلاق لفظ الكلام وتكلم على القليل الذي ليس بمفيد لما ذكره من الشرف والمبالغة.
وأما استدلاله على شرف الكلام عندهم بالأبيات التي ذكرها فمما يمكن إيراد مثله إلا أن ذكره:
1 / 38