181

Sirat Muluk Tabacina

سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

Nau'ikan

حتى إذا ما شاهدها الملك في أحزانها تلك جاشت من جديد أحزانه ورغبته في الثأر والانتقام مطيلا أمد الحرب، محاصرا المدن الفارسية، لكن دون طائل.

وكان من عادات حرب الملك سيف، حينما يقرر لجيوشه اجتياح مدينة أو حصن أن يبعث كتيبة من جنده لتحرير ما تكتظ به سجونها ومنافيها من أسرى ومسلحين وقطاع طرق وخارجين على القانون.

فكان الملك يجمعهم ويخطب فيهم ويعيد تأهيلهم وتدريبهم على طرق وأساليب الحرب والقتال التي اشتهرت عنه، ثم يغدق عليهم العطاء ويلحقهم بجنده ... قائلا: أخلص أبنائي ... الأشقياء، أما شامة فكانت بدورها تروح تتفرس وجوه أولئك الأسرى - والأشقياء - فلعلها تستطلع وجه ولدها - البكري - «دمر» بينهم، دون طائل. - ولدي ... وحيدي ... أين؟!

إلى أن استسلمت في النهاية لعميق أحزانها فحلت عليها السقوم وضعف بصرها، ورغم ذلك ظلت تقاوم رغبة الملك سيف في ترحيلها عن مصر إلى بلادها ولو للراحة والعلاج.

ذلك أنها أصبحت أيضا تكره الحرب وتوالي أنباء المعارك وسيول الدم النازف الذي تربت وشبت عليه. - دم ... دم ... ولا مهرب من أكوام الجثث العفنة والمدن المشتعلة بالنيران والخراب، «لا مهرب أو مغيث في هذا العالم الوحشي المظلم.»

حتى إذا ما حاول الملك التحايل عليها بإبعادها عن ساحات المعارك، رفضت باكية معاودة ندبها ونحيبها وبكائياتها الذاتية: وولدي ... أأترك ولدي؟ ... حدقة عيني!

متشبثة باكية بأطراف أردية الملك سيف ذاته الذي يروح من فوره يحنو عليها محتضنها، محاولا تبصيرها بقوانين تلك الغابة التي لا مكان فيها لكائن وادع أو مستسلم، فما أصدق التباعنة القائلين: أيها الرجال إنكم إن لم تحاربوا الناس حاربوكم ... وإن تسبوهم سبوكم.

كان يضغط على رأسها بين ساعديه معيدا إليها السكينة، مسرا بصوته الهادئ: ولعلك يا شامة، شهدت بنفسك أحداث حربين عدوانيتين على بلادنا؛ من جانب الأحباش مرة، ومن جانب أولئك الفرس الطغاة الطامعين ثانية.

وكثيرا ما يصل الإجهاد بالملك سيف ذاته إلى حد تأمل كفي يديه في تساؤل كظيم: ماذا أفعل؟ دلوني!

عندئذ تتعرف شامة على ما يعتمل في أعماق الملك الذي كتب عليه القتال والمطاردة منذ صباه، بل طفولته اليتيمة في بلادها.

Shafi da ba'a sani ba