Sirat Muluk Tabacina

Shawqi Cabd Hakim d. 1423 AH
180

Sirat Muluk Tabacina

سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

Nau'ikan

إلا أن الأخبار المتضاربة التي وصلتهما من أفواه رسلهما أجمعت على انقطاع أخبار الأمير دمر، منذ خروجه بحملته وكتائبه مطاردا الجيش الفارسي الغازي، فلم يعد يعلم أحد شيئا عنه، وما إذا كان لا يزال حيا يرزق، أم أنه وقع أسيرا بأيدي الفرس، بما يرجح قتله استنادا إلى بعض المصادر.

هنا وقعت شامة - الأم - فريسة لمخاوفها وأحزانها على ابنها الوحيد، وما انتهى إليه مصيره الغامض وسط لهيب الحرب الهمجية المستعرة، التي أرادها الفرس هذه المرة أن تكون حاسمة محققة لأغراضهم في إعادة التسلط على جميع هذه البلاد والأقوام، توغلا حتى داخل أفريقيا ذاتها، ولقد حاول الملك سيف تهدئة شامة وتبصيرها بالخطر المحدق بالجميع من جانب الفرس وعدوانهم قائلا: فدمر مثله مثل كل أبنائي القتلى في الشام واليمن ومصر.

وهنا اقتادت المخاوف شامة إلى حد التشكيك في مقولة الملك ذاته مرددة لنفسها: كل أبنائي ... القتلى»، إذن فهو قد قتل والملك يخفي عني مصيره!

ولم تهدأ مشاعر الأم شامة إلا عندما استحضر الملك سيف في حضرتها أخلص رسله وبصاصيه، وأرسل بهم إلى كل البقع والأماكن التي يجري على أرضها قتال ضد الفرس؛ لمعرفة مصير الأمير دمر - قبل أي شيء - والعودة بالخبر اليقين في أسرع وقت ممكن.

حتى إذا ما عادت وفود الرسل من جديد دون جواب أو معلومة عن مصيره، اختنقت شامة بدموعها. - ولدي، لم أفرح بك كأي أم بوحيدها.

وما إن أشرفت سفن الملك سيف على ميناء دمياط وتسلل جنده إلى أرض مصر، حتى استحالت أحزان الأم شامة إلى بطولات لهجت بها الألسن، وهي تطارد بفيالقها - الأفريقية - فلول الفرس الغزاة باتجاه الصحراء، بينما تكفل الملك سيف بمنازلة ومطاردة جيش الهدهاد ذاته، إلى أن أوقع معظمه في أسره، وفر الباقون.

ودخل الملك سيف بجنده عاصمته - مصر - دخول الأبطال مخضبا بالدم الأحمر النازف كالأرجوان، ولحقت به زوجته - المحاربة - شامة، ومن جديد أقيمت الأفراح وعلقت الزينات وصدحت الموسيقى بأغاني النصر والتحرير للملك التبع العائد المنتصر.

أما شامة فما إن خلعت عنها عدة حربها، حتى تجددت على الفور أحزانها حول مصير ابنها دمر وأخباره التي ظلت كما هي غامضة متضاربة، وإن كان المرجح هو وقوعه - أي دمر - في أسر ذلك الملك الفارسي - الهدهاد - الذي عاد به مقيدا إلى «ما وراء نهر بلخ» مما أوعز صدر الملك سيف، وأبدل أفراح النصر إلى أحزان، فلم يهدأ له بال، إلا وهو يعد العدة من جديد للعودة إلى مدنه السبع - أو المدائن - ببلاد الفرس للانطلاق منها ومواصلة القتال لتحرير ولده الأسير واستئصال الداء من جذوره على حد كبير.

وطالت حروب الملك سيف بتلك البلاد أو الآفاق، دون أن يشفي غليله بوضع يده على ابنه الأسير لبعث الطمأنينة في أمه شامة، التي أصيبت في سنواتها الأخيرة واتشحت بأردية الحزن السوداء، دون أن تكف لحظة عن مفارقة ملابس وممتلكات ولدها دمر، تشمها وتتحسسها باكية مولولة الليل بطوله. - يا مين يعملني - يا دمر - في قبرك سحلية.

أمسح جبينك يا ولدي في كل صبحية.

Shafi da ba'a sani ba