سمع الفاتح هذه الكلمة فأنكرها لأول وهلة، ثم ذكرها ورددها مرارا في نفسه، وكان من أمره أنه عاد إلى بلاده يستشير كبار قومه، فقال أحد الشيوخ هنالك : وهل نحن في هيروس للتجارة والكسب أم للخسارة والذلة؟ هذا الشعب مثلنا محب للمال والجاه، ومحب كثيرا لنفسه، فلا يمكننا أن نستولي عليه وعلى موارد ثروته إلا في تمليقنا له، وتمجيدنا لأجداده؟
وقال شيخ آخر: إنما نحن في هيروس لنعزز مركزنا البحري ونتولى بابا إلى الشرق.
وقال ثالث: ولكن أصحاب ذاك الباب أتعبوا رأسنا، دوخونا، فيجب علينا استرضاؤهم، وخير الوسائل هي أن نرسل بناتنا إلى تلك البلاد؛ فنصاهر أهلها ونتخذهم لنا أخدانا وأعوانا.
وقال الرابع: وهل يستوي السيد والعبد؟ وهل يستوي العالم والجاهل؟ أتريد أن نصاهر نحن أرباب التمدن من لا يعرفون من المدنية غير عنوانها؟ إني أرى أن نرسل إليهم الراقصات والقيان من بناتنا، ونشفعهن بالشمبانيا. لاعبوا القلوب فتذهب العيوب، خدروا العقول فتستقيم الميول.
ثم انبرى للكلام أحد المعارضين هناك فقال: لا أمل لنا في هيروس ونبال ولا راحة بال إذا سلكتم هذا المسلك المشين، لا أمل لنا في تلك البلاد إلا إذا أعطينا أهلها أحسن ما عندنا من النظم، ومن العلوم، ومن الأخلاق، وإذا كنا لا نستطيع ذلك فعلينا أن نخرج منها في الحال.
ضج الشيوخ فصاحوا بالرجل صوتا واحدا: عدو الوطن، خائن الأمة، وأخرجوه من المجلس.
ثم أقروا بالإجماع رأي التخدير، وعاد الفاتح إلى هيروس ونبال يقيم فيهما معالم السرور، ويعبد الطرق إلى اللذات، فقال بعض الشبان الذين يدعون الحكمة ويؤثرون عليها المال وظلا من الجمال: قد صدق شيوخنا؛ لا بد من هذا الفاتح مهما كان أمره. إن بلاءنا حقا «بقضاء وقدر»!
6
طوى الزمان أيامه ولياليه وكانت نبال تزداد فقرا، وهيروس تزداد غلا، وقد تكاثرت في البلاد الحسان والمسارح والحانات. سكرت نبال فظنت نفسها أخت قارون، وتخدرت هيروس فخيل إليها أنها ربة التاج والصولجان.
وقد رأى الفاتح أن يستمر في التخدير، فأحيا لأهل نبال ليلة راقصة في يخته الراسي بميناء البلد.
Shafi da ba'a sani ba