Shuyuciyya Wa Insaniyya

Abbas Mahmud Al-Aqqad d. 1383 AH
81

Shuyuciyya Wa Insaniyya

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

Nau'ikan

فلا معنى للنص على أن «الفرد» لا يصنع شيئا إلا بموافقة الظروف.

إن هذا تحصيل حاصل يصدق على الفرد وعلى الجماعة، وعلى كل قوة إنسانية أو حيوانية أو مادية تؤدي عملا في هذا العالم، ولا يمكن أن تؤديه إذا عارضتها قوة أكبر منها.

ومن تحصيل الحاصل أن يقال: إن مشيئة الأفراد تتفاعل ويأتي فيها في النهاية شيء غير الذي أراده كل فرد منهم على حدة، فإن المواد الكيمية تتفاعل مثل هذا التفاعل، ولا نقول من أجل ذلك: إن الحديد كالقصدير، أو إن الذهب كالنحاس، أو إن الكبريت كالملح، أو إن العناصر ليست عناصر مؤثرة مختلفة التأثير من أجل ذلك التفاعل المفروض.

كل ذلك تحصيل حاصل لا موجب للعناء في شرحه، لو كان الفرض منه أن عمل الفرد محاط بالعوامل التي تساعده تارة وتقاومه تارة أخرى، وإنما الموجب له أمر واحد وهو ذلك الولع بالتسفيل والتخسيس والتلصص على كل تعلة خفية لتصغير كل عظيم، واستمراء الحقد والحسد في طوية كل مهين لئيم.

ومن التسلل إلى العقول أن ينادي زعماء المادية بحقوق الفرد السياسية في المنشورات العامة، ثم يحتفظوا بين سطور المباحث الفلسفية بتفسير تلك الحرية على النحو الذي أرادوه، ولعل حصة «إنجلز» في هذا الباب كانت أكبر من حصة «كارل ماركس» حينما تصدى للبحث عن فلسفة الحرية، فإن «إنجلز» هو الذي أسهب في تفسير معنى الحرية، حين تصدى للرد على «دوهرنج» فقال: إنها هي معرفة الضرورة، وإن الإنسان يعتقد أنه كان حرا في اختيار أمر من الأمور؛ لأنه يجهل العوامل التي تكونت منها حرية الاختيار، ولم يشأ «إنجلز» - أو لم يستطع - أن يبين لنا ما الفرق بين العوامل التي «تضطر» الإنسان إلى الحرية، والعوامل التي تضطره إلى العمل الآلي المكره المجرد من الاختيار أو من الشعور بالاختيار، فلن تكون النتيجة أن الحالتين سواء، وأن الشعور بالاختيار كالشعور بالاضطرار، وأننا نختار بينهما فلا نملك أن نختار.

ولم يجهر الدعاة الشيوعيون باحتقارهم للحرية الإنسانية، إلا بعد أن قامت لهم دولة تملك سلب الحرية، فسلبوها واعتبروها ترفا لا يساوي ضرورات المعيشة، ولعبوا بالألفاظ في هذه المقارنات الجوفاء بين الكماليات والضروريات لعبا مبتذلا يشف عن سوء فهم أو سوء نية. فإن كبح الاستبداد ضرورة الضرورات في مجتمعات الآدميين، ولا يكبح الاستبداد بحشو البطون، بل بالحرية في الضمائر والأفكار.

وقد كان الشيوعيون يشهرون الخبز في وجه أنصار الحرية، وينسون أن الفاشيين والنازيين يساوونهم في هذا «البرهان» الحيواني إن لم يرجحوا عليهم، لأنهم جميعا يؤيدون مذاهبهم وتطبيقاتهم بإطعام الجياع، وتدبير العمل للعاطلين، ولكنهم لا يسألون كما يسأل الشيوعيون: ما جدوى الحرية للبطون الجياع؟

ولو قد ثبت أن الحرية ترف رخيص، وأنها ليست من ضرورات الحياة الاجتماعية لدفع أخطار الاستبداد لما كان في ذلك السؤال حجة على شيء، إذ كان الطعام ألزم للكائن الحي من أمور كثيرة لم يتركها الآدميون لهذا السبب، ولكنهم بها كانوا آدميين، ولم يكونوا آدميين بما يأكلون ويشربون.

ولقد يحق ذلك السؤال لكثير من السائلين غير أصحاب المذاهب، الذين قضوا على الملايين وعذبوا وشردوا أضعافهم من طبقة المحرومين وغير المحرومين، فإن الذين ماتوا جوعا وقحطا في تاريخ الروس منذ القدم لا يساوون شطرا من هؤلاء القتلى والمعذبين.

ثم عاد القوم إلى نغمة الحرية والفردية بعد سنواتهم التي تصرمت في ازدراء هذه الحرية وعقد المفاضلات بينها وبين الخبز وما إليه، فلما احتفلوا بذكرى «كارل ماركس» بعد انقضاء ستين سنة على وفاته، لم يشغلهم أمر في هذه الذكرى، كما شغلهم أن يدفعوا شبهة الجناية على كيان الفرد وكرامته الإنسانية في ظل الشيوعية، فطلبوا إلى أسقفهم الأحمر

Shafi da ba'a sani ba