Shahidanin Tsana
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Nau'ikan
فأجابته: لست أدري.
ومضت رافعة الرأس كبرا، فلما خلت إلى نفسها في مخدعها ترامت على مقعد وبكت أحر بكاء، وهي تغمغم اسم ترولوس، وتقول: لقد كنت تهواني أيها الحبيب هوى ذهب بحياتك؛ لأني عجزت عن إنقاذك، ويلاه! لقد تسلط علي هذا الكردينال الذي يخيفني، وأصبح يعرف سري. يعرف أنني أنقذتك في فونتنبلو، وغدا يكتب أفنيل المحامي اللئيم قصته! فويل للشقي!
ونهضت لساعتها فاجتازت الرواق حتى وصلت إلى حجرة المحامي فدخلتها خفية، وأخرجت زجاجة صغيرة فسكبت منها سائلا أسود على الفراش، وصبت قطرات منه في قدح، وعلى المقاعد، ورجعت إلى غرفتها. فسمعت أنات الألم من الحجرة الواطئة، وكان الجلاد فيها يسحق عظام ترولوس المسكين. إلا أنه ظل صامتا لا يتكلم.
والكردينال يقول له: كانت معك رسالة، فيجيبه ربما. فيقول له: ماذا فعلت بها؟ فيجيبه ذلك لا يعنيك. فيقول: هل أعطيتها للفارس الذي التقى بك؟ فيجيبه: نعم، ولا. فيقول: من سلمك الرسالة؟ فيجيب: لم يسلمني إياها أحد. فيقول: إلى أين كنت ذاهبا؟ فيجيب: إلى حيث لا تدري، فدعني أموت، إني خائن كما تدعي والسلام، فيأمر الجلاد بتشديد عذابه. فلما فقد ترولوس رشده انثنى الكردينال إلى المحامي أفنيل، فقال له: اذهب واكتب القصة التي تعرفها، ووقع عليها باسمك وغدا أطلبها منك.
ثم قصد الكردينال حجرة الملكة فألفاها جاثية تصلي، فقال لها بحنق: أتصلين لأجل الخائن؟ فأجابته: إن المؤمن يصلي لأجل كل شيء.
وكفكفت كاترين عبراتها وعاودتها السكينة؛ لأن ترولوس قد مات، فلا ينبغي أن يدري أحد بما أصابها من ألم يمزق حشاشتها؛ خصوصا لأنها كانت ترتاع من الكردينال. إلا أن الكردينال كان شقيق الدوق دي جيز، وهو القائد الذي يمكن أن ينتصر غدا فيصبح صاحب الكلمة العليا والنفوذ الأسمى كما وقع له مرة، فرأت الأجدر بها ألا تبدي شيئا مما يخامر نفسها. فقال الكردينال: إن الرجل الذي كنت تظللينه بحمايتك كان خائنا، ولقي عذاب الخائنين، وقد أنبأت الناس بأنه إنما هلك بخيانته للملك وإخلاله بما يوجبه عليه منصبه. أما أنت فإني أنبئك بأنه لم يلق العذاب والردى إلا لأنه كان يهواك، وقد سلمته رسالة إلى أمير كوندة.
فأتت كاترين بحركة تدل على نفي وإنكار. فقال: لا تخادعيني أيتها السيدة، فلولا اطلاعي على الحقيقة لما تجرأت على مخاطبتك بهذا الكلام، والآن يجب عليك أن تنضمي إلى حزب الكاثوليكيين بإخلاص قلب ونزاهة فكر، وإلا أكرهتك على ما لا تحبين.
قالت: أإهانة يا كردينال؟
أجاب: يحق لي أن أتهمك وأنشر على رءوس الملأ تصرفك، وأعلن أنك اتخذت عشاقا.
فقالت بحدة: مهلا يا كردينال، واعلم أن والدة الملك لم يكن لها، ولا يكون لها إلا عاشق واحد.
Shafi da ba'a sani ba