Shahidanin Tsana
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Nau'ikan
فسار ترولوس بهذه الرسالة في طريق وعرة، وثلج ديسمبر يكاد يسد الطرق، وكان الجو صافيا والقمر طالعا، وللأشجار على الطريق ظلال كثيفة، وجواد ترولوس ينهب الأرض، وفيما كان سائرا أطلقت عليه ثلاث طلقات نارية، فأدرك أن وراءه من يتبعه ليقبض على رسالته، ولم يصبه الرصاص، وإنما أصاب جواده فعطف عليه ولاطفه، وكأن البهيم أدرك الغرض من تلك الملاطفة فأن من شدة الألم، واحتدم ووثب وثبات متواليات، وسمع ترولوس وراءه وقع حوافر الخيل فعلم أن أخصامه عديدون، وقربت المسافة بينه وبين اللاحقين به، فتناول ترولوس رسالة الملكة، وجعلها في صدرته، وقال: إذا أدركوني ابتلعتها.
ومر به وقتئذ فارس متجه نحو المدينة، فتأمله فإذا هو جاليو، فقال له: بحقك أنقذني وأنقذ الملكة؟ - من أي خطر؟ - إليك هذه الرسالة فأوصلها إلى الأمير. - معي رسالة مثلها إلى الملكة من الأمير. - لا فائدة من رسالتك، بل خذ رسالتي هذه وعجل. - ألا تسير معي؟ - إن جوادي جريح، فانطلق. - اركب جوادي. - كلا، بل سافر أنت. إن الوقت ثمين جدا، وورائي فرسان يطاردونني. ألا تسمع وقع الحوافر؟ - بل خذ جوادي وأنا ألبث ها هنا.
قال ترولوس: أناشدك الصداقة وهوى مرسلين وإخلاصك للملكة يا جاليو أن تفعل ما أقوله لك. سافر، فالوقت لا يزال يتسع لرحيلك، وسلم هذه الرسالة إلى الأمير قبل طلوع النهار.
أجاب: إني أودعك، فبلغ تحياتي إلى من تحبها!
ورجع جاليو وهو مغموم، وكانت للطريق عطفة تتفرع في آخرها إلى طريقين: أحدهما يؤدي إلى النهر، والآخر يوصل إلى باريس. فتردد جاليو في اختيار الطريق الأقرب، وهي التي يجب أن يجتاز إليها النهر، إلا أنه فكر في أنه قد لا يجد قاربا، فقال في نفسه: أسير برا، وقد يطول الوقت، ولكنني أصل. واتجه إلى طريق باريس.
وأيقن ترولوس أنه لا ينجو من اللاحقين به، وأنهم ولا شك قد رأوه يكلم فارسا آخر، فلم ير بدا من منعهم عن اللحاق بجاليو. وأدركه خصومه فهجموا عليه بحنق فوثب عن جواده وشهر غدارتيه، وجعل سيفه بين أسنانه، وقال: ماذا تريدون؟ قالوا: سلم نفسك!
قال : هيهات !
فأحاطوا به، ونشب بينه وبينهم قتال هائل؛ لأنهم كانوا عشرين فارسا، إلا أنهم لم يتمكنوا من القبض عليه إلا بعد أن قتل ثمانية منهم، ولما دنا منه زعيمهم تفرس في وجهه فعرف أنه الكردينال، شقيق الدوق دي جيز. وقال في نفسه: ما أرى أن جاليو قد سبقهم السبق الكافي، واستعد للمخادعة فقال بعظمة: لماذا هجمتم علي؟
قال الكردينال: معك رسالة، فهاتها. - أي رسالة تعني؟ - هي التي تحملها إلى البروتستانتيين، وأنت بروتستانتي فيما أعلم. أجاب: ليس معي رسالة. قال: إذن تكون قد سلمتها إلى ذلك الفارس الذي التقيت به منذ هنيهة؟ أجاب: ربما.
فالتفت الكردينال إلى بعض رجاله، وقال: الحقوا بذلك الفارس. فابتعد الرجال إلا أن أحدهم رجع يقول: يوجد يا مولاي طريقان فأيهما نسلك؟
Shafi da ba'a sani ba