Shahidanin Tsana
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Nau'ikan
أحد الشعانين
وازدادت حركة الباريسيين في اليوم التالي؛ لأنهم علموا بوصول ملك النافار واجتماعه بالدوق اجتماعا كان الغرض منه الدفاع عن المذهب الكاثوليكي، ولم يكتف ملك النافار بذلك، بل جاء بدليل آخر على صدق إيمانه، فحضر الصلاة في كنيسة نوتردام على مرأى من الجميع، وهتف له الجمهور كما هتفوا للدوق ولمونمورانسي هتافا متواصلا، ودعوهم: «نصراء الدين، وأصدقاء الملك الحقيقيين.»
وفيما كانت باريس مسترسلة في هذه الاحتفالات كانت كاترين دي مدسيس منفردة في حجرتها ، تبكي بالقرب من نافذتها، وعيناها محملقتان إلى طريق العاصمة، مصغية إلى وقع الحوافر، تسأل نفسها عما عسى أن يكون كل قادم، وتقول: أكوندة أم جيز؟ وكانت خائفة من آل جيز؛ لأنهم أسرة منها كثيرون من رجال الدولة، وفيها القواد البواسل وذوو المطامع والآمال البعيدة، ولذلك كانت تنتظر قدوم أمير كوندة بذاهب الصبر؛ لأن ذلك الأمير كان شجاعا كريما محبوبا من البروتستانتيين حبا يفوق الوصف، وهو ذو مطامع ككل آل جيز، لكنه شديد الوفاء والولاء للبيت المالك، ولا يكيد لأسرة فالوي. وفيما هي ممتعضة حزينة النفس سمعت وقع حوافر خيل عديدة، فأخذت تلثم ولدها شارل التاسع، وتقول: أسأل الله أن يكون القادم أمير كوندة. تالله لأشيدن معبدا للعذراء يكون أجمل المعابد! ودنا الصوت، فأطبقت عينيها وهي تقول: من لي بك يا ترولوس؟
وما كادت تنتهي من هذه الكلمات حتى دخل الحاجب يقول: بالباب ملك النافار، والمسيو دي مونمورانسي، والدوق دي جيز. ففتحت عينيها فأبصرت الثلاثة قد صاروا أمامها، وسمعت ضجة الجند الذين جاءوا معهم، وكان هؤلاء الثلاثة قد دخلوا فجأة كأنهم ينوون إهانة والدة الملك، إلا أنهم وقفوا متهيبين خاشعين؛ لأنهم رأوا أنفسهم تجاه امرأة حسناء ضعيفة، وخجل دي مونمورانسي كما خجل الكردينال دي بوربون لتهجمهم على والدة وأولادها، فكان سكوت طويل المدة، ثم قالت كاترين: ماذا تريدون؟
فأجابها الدوق بخشونة: إننا أتينا أيتها السيدة طالبين إليك الإياب معنا إلى باريس. فارتعدت كاترين؛ لأن دخولها مدينة كاثوليكية مما يشق عليها بعدما قضت عاما كاملا وهي تدافع عن البروتستانتيين جهرا، وهي التي بذلت مجهودها لإنقاذ أمير كوندة من حكم الإعدام، والباريسيون كانوا قد تهددوه بالقتل إذا لم يرتحل عن مدينتهم، وكاترين لم تكن تحفل بالمذاهب الدينية، وإنما تحب السلطة حبا كالجنون. ومعنى إيابها إلى باريس استسلامها إلى أعدائها، وأولهم ملك النافار، وكانت قد هزأت به، ثم مونمورانسي وكانت قد ناقشته الحساب عن شئون منصبه، ففرنسوا دي جيز، وكانت قد طردته من البلاط قبلا. فنظرت بكبر إلى الرجال الثلاثة، وأجابتهم قائلة: لا أدخل باريس أبدا!
فاضطربوا من هذا الجواب؛ لأنهم كانوا يتوقعون منها مراوغة ومماطلة لا عزيمة ثابتة، فقال لها الدوق: إذن أين يكون مقرك أيتها السيدة، ولا حاشية لك، ولا جيش، ولا حراس؟
فأجابته: سأذهب إلى حيث أجد أصدقاء مخلصين للملك.
قال: لعلك ترومين أن تجدي أمير كوندة؟
قالت: لا ينبغي أن أخبرك بشيء من ذلك، ولكن، يا للعجب منكم، أهكذا تدخلون على مليككم؟ انظر يا ولدي شارل إلى هؤلاء الرجال الثلاثة المدججين بالسلاح، فقد تجرءوا على مخاطبة والدتك وقبعاتهم على رءوسهم، وقد أتوا إلى هنا مستصحبين جيشا حقيقيا، متهددين، متوعدين، آمرين ناهين، ولعلك تحسبهم غرباء أو أعداء، كلا! فأحدهم اسمه أنطوان دي بوربون وهو عمك، والآخر اسمه دي مونمورانسي وهو قائد جيوش المملكة الفرنساوية، أعني الرجل الذي يجب عليه أن يكون أشد الناس إخلاصا لك؛ لأنه أقسم بشرفه على ذلك، وأما هذا الآخر فهو فرنسوا دي جيز خادم أبيك، وهو الذي استخلص مدينة كاليه من أيدي الإنكليز، ومدينة ثيونفيل من أيدي الإسبانيين، فتذكر يا شارل أن هذا الرجل جاء إلى هنا وأهانك؛ لأن الرجلين الآخرين لا يحسبان شيئا مذكورا بالقياس إليه، بل هما كألعوبة بين يديه. ألا فاذكر ما أقوله لك يا شارل، إن هذا الرجل ألد عدو لك ولأسرتك! والآن أيها السادة اذهبوا من هنا وولدي هذا قوي الذاكرة فلن ينسى أحدا منكم!
فلم يدر مونمورانسي وأنطوان دي بوربون بماذا يجاوبان، غير أن الدوق دي جيز كان أقساهم قلبا وأربطهم جأشا، ففكر في وسيلة يتخذها لإقناع الملكة، وجعلت كاترين تنظر من النافذة إلى البرية راجية مساعدة من كوندة وهي تغمغم، وتقول: ترولوس، ترولوس، لماذا لا تجيء؟!
Shafi da ba'a sani ba