Shahidanin Tsana
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Nau'ikan
الفصل الخامس والعشرون
سياسة الملكة الوالدة
كان قصر «فونتنبلو» في أوائل شهر أغسطس (آب) سنة 1561 حافلا بالأشراف والسيدات، وقد اختلط فيه الكاثوليكيون والبروتستانتيون. والملكة كاترين ما برحت تحب المجتمعات السارة، وقد لبس الرجال أفخر ملابسهم، وتزينت النساء بأبهى الزينات، وكان ذلك الزمن زمن المجادلات الدينية والأدبية، والوعاظ منتشرون في كل مكان، وأبناء المذهب الكاثوليكي يتهمون كاترين بإخلاصها للمذهب الجديد (البروتستانتي).
ولم يكن في ذلك القصر من ذاكر للملك فرنسوا الثاني إلا زوجته ماري ستوارت، وكان الكردينال قد أتى بها إلى فونتنبلو غير مشفق على نفسه من سخط الملكة الوالدة.
ولعل ماري ستوارت لم تحب من زوجها إلا المجد والسلطة، فلما ساروا به إلى الضريح منعوها من تشييع جثته، فأحست منذ خروج النعش بذهاب أمانيها وسقوط دولتها، وكانت كاترين دي مدسيس تكرهها، ولا ترى فيها إلا أنها المرأة التي سلبت منها ولدها، وانتزعت كذلك نفوذها عليه، ولقد رأت قبلا من كبريائها ما لا يسعها الصفح عنه، وذكرت أن ماري ستوارت هذه عنفتها ذات يوم بأنها ليست بذات نسب كريم، فعقدت النية على إبعادها إلى إنكلترة. أما آل دي جيز فذكروا لتلك الأرملة المسكينة معارضتها إياهم يوم طلبوا منها التوقيع على حكم الإعدام باسم زوجها، وامتنعت ذلك الامتناع الذي يدل على شهامتها، فكان الدوق يقول لها أحيانا كثيرة: إن الملكة الوالدة هي اليوم صاحبة الحول والطول، ولا تحبك فماذا يحدث لك إذا أصرت على البقاء في فرنسا. إن أنت إلا أرملة صبية لا نفوذ لها ولا شأن، على أن لك عرشا في إيكوسيا
1
في وسعك أن تتبوئيه!
فلم تجب ماري، وهي تعرف جبال مملكة إيكوسيا (اسكتلندا)، ولا ترى وجها للشبه بينها وبين سهول فرنسا الجميلة وجبالها البهيجة، وكان الاسكتلنديون شعبا خشنا يكاد يكون همجيا، ولا يمكن أن يقاس بالشعب الفرنساوي، فكانت تقول: ويلاه! من يبدل دينارا بدرهم؟ فلا أسافر الآن.
ولما نقل جوابها إلى الملكة الوالدة قطبت وجهها، وقالت: كفاني من عندي من الفتيات الجميلات في حاشيتي، فلا حاجة بي إلى أرملة ابني، إن ثيابها السوداء كالوصمة في بلاطي .
وبعد اللتيا والتي ضربت موعدا لسفرها هو يوم 16 أغسطس (آب)، وفي 15 منه أمرت كاترين بإقامة حفلة باهرة إكراما لماري، وكانت ماري في ذلك المساء مكتئبة مغمومة لا تكاد تجيب على كلمات التودد التي يخاطبها بها ظرفاء البلاط. ثم ما لبثت أن دخلت الرواق حينما كانت كاترين وحولها المعجبون بها، وكان الدوق دي جيز إلى جانب الملكة الوالدة ينظر بقلق إلى حركة الإعجاب التي تدور حول الملكة الصبية.
Shafi da ba'a sani ba