وقال بعضهم: الكثير هو ما بلغ قلتين، وهو قول الناصر الحسن بن علي، والمنصور بالله عبدالله بن حمزة عليهما السلام واحتجا لمذهبهما بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا بلغ الماء قلتين فليس يحمل الخبث)) وهذا أيضا عندي ملتبس؛ لأن قوله يحمل الخبث له معنيان في لغة العرب:
أحدهما: أنه يضعف عن حمل الخبث فلا يكون طاهرا.
والثاني: أنه لا يقبل الخبث على معنى أن النجاسة لا تظهر
فيه، ولا تغير حكمه في الطهارة، ولم يتبين لنا أي المعنيين أراد، والمعنيان متنافيان فصار مجملا يحتاج إلى البيان، فإن قيل: قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ولم ينجس، وهذا مفصل فيجب المصير إليه.
قلنا: يرد عليه من الالتباس أن قلال هجر من قبيل المختلفات لا من المكيلات ولا الموزونات، وفي قلال هجر الكبرى والوسطى والصغرى فلا يصح الاعتماد على الخبر؛ لأجل جهالة القدر المعتبر في ذلك، فإن قيل: فإن القلتين خمسمائة رطل، قلنا: هذا هو تقدير صاحب المذهب، ولم نؤمر بإتباعه في مذهبه، ولا قامت به حجه على وجوب الانقياد له، فاللبس حاصل في كمية ماء القلتين لما بيناه، فأيهن أراد صاحب الشرع سلام الله عليه.
فصل
فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سئل عن بئر بضاعة وأنها يلقى فيها الجيف والمحائض وعذرات الناس، وفي بعض الأخبار: يلقى فيها الكلاب بدلا عن الجيف، فقال: ((إن الماء لا ينجسه شيء)) وسئل بعض الرواة عن عمقها فقال: إلى العانة، قيل: فإذا نقص؟ فقال: فدون العورة، وقال بعضهم: قدرت بردائي فذرعته فإذا عرضها ستة أذرع، وسألت هل غير من بنائها شيء، فقيل: لا، وهذا خبر صحيح.
Shafi 92