وثانيها: أنه وهذا ملتبس عندي؛ لأنهم لم يقدروا من يستوعبه بعدد معلوم، وقد يكون الماء في الإناء فلا يستوعبه الواحد ولا الاثنان، وقد يكون الماء في الوعاء الكبير فلا يستوعبه العشرة ولا العشرون، وقد يكون في الغدير فلا يستوعبه الألف ولا الألفان، وقال بعضهم: الماء الكثير هو ما لا يغلب على الظن أن النجاسة تسعتمل باستعماله وهذا ملتبس أيضا؛ لأن الماء القليل قد يكون في موضع كثير الطول قليل العرض ساكنا غير متحرك فيدخل رجل أصبعه في أحد جانبيه وفيها بول، ويدخل آخر اصبعه في الجانب الثاني بعد ذلك، فإنه يغلب على الظن الثاني أن الثاني لم تباشر اصبعه تلك النجاسة التي كانت في اصبع الأول، ولا ما لاقاها ولا ما جاور ما لاقاها لكون الماء ساكنا غير متحرك، وكل هذين الحدين ذكرهما العلماء على مذهب الهادي عليه السلام، وهما ملتبسان لما ذكرناه، واحتجوا على نجاسة الماء القليل بما يقع فيه من النجاسة وإن لم تغير شيئا من أوصافه يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده)).
قالوا: ومعلوم أن ما في اليد من النجاسة لا تغير من الماء لونا ولا ريحا ولا طعما فدل ذلك على أن نجاسة الماء القليل وإن لم تغير النجاسة الواقعة فيه شيئا من أوصافه وإلا بطلت فائدة الخبر، ولقائل أن يقول: إن هذا الخبر لا يصح الاحتجاج به؛ لأنه قضى بوقوع الشك دون اليقين ودون غالب الظن لقوله: ((فإنه لا يدري أين باتت يده)) فأفاد الشك لا غير، والتكليف الواجب لم يرد بالشك في حال من الأحوال، فإن صح الخبر حملناه على الاستحباب لئلا تبطل فائدة كلام الحكيم.
Shafi 91