مثل اليقظة ، وبعضها أقرب إلى المادة مثل النوم. والأعراض اللاحقة من جهة المادة قد تبقى (1) بعد الصورة كأنداب القروح وسواد الحبشى إذا مات. فالطبيعة الحقيقية هى التي أومأنا إليها (2)، والفرق بين الصورة وبينها ما أشرنا إليه ، والفرق بين الحركة وبينها أظهر بكثير ، لكن لفظ الطبيعة قد يستعمل على معان كثيرة أحق (3) ما يذكر منها هو ثلاثة منها فيقال طبيعة للمبدإ الذي ذكرناه (4)، ويقال طبيعة لما يتقوم به جوهر كل شيء ، ويقال طبيعة لذات كل شيء. وإذا أريد بالطبيعة ما يتقوم (5) به جوهر كل شيء حق أن يختلف فيها بحسب اختلاف المذاهب والآراء. فمن رأى أن يجعل الجزء الأحق (6) من كل جوهر بأن يقومه هو عنصره وهيولاه ، قال : إن طبيعة كل (7) شيء عنصره ومن رأى أن يجعل الصورة أحرى بذلك ، جعلها طبيعة الشيء. وعسى أن يكون فى أهل البحث قوم ظنوا أن الحركة هى المبدأ الأول لإفادة الجواهر قواماتها ، فجعلوها طبيعة كل شيء ، ومن جعل طبيعة كل شيء صورته جعلها في البسائط ماهيتها البسيطة وفي المركبات المزاج. وستعلم بعد (8) أن المزاج ما هو ونرشدك الآن إليه يسيرا ، فنقول.
إن المزاج هو كيفية تحصل (9) من تفاعل كيفيات متضادة في أجسام متجاورة ، وقد كان الأقدمون من الأوائل شديدى الشغف بتفضيل المادة والقول بها وتصيرها طبيعة ، ومنهم أنطيقون (10) الذي يذكره المعلم الأول ويحكى عنه أنه أصر على أن المادة هى الطبيعة ، وأنها هى المقومة للجواهر (11)، ويقول لو كانت الصورة هى الطبيعة في الشيء لكان السرير إذا عفن وصار بحيث يفرع غصنا وينبته فرع سرير ، أو ليس كذلك ، بل يرجع إلى طبيعة الخشبية (12) فينبت (13) خشبا. كأن هذا الرجل رأى أن الطبيعة هى المادة ، ولا كل مادة ، بل المحفوظ ذاتها في كل تغير ، وكأنه لم يفرق بين الصورة الصناعية وبين الطبيعية (14)، بل لم يفرق بين العارض وبين الصورة ولم يعرف أن مقوم (15) الشيء يجب أن لا يكون منه بد عند وجود الشيء ، ليس أنه الذي لا بد منه عند عدم الشيء
Shafi 36