الشيء كان عن الهيولى وعن العدم ، ولا يقال إنه (1) كان عن الصورة ، فيقال إن السرير كان عن الهيولى أى عن الخشب ويقال كان عن اللاسرير ، وفي كثير من المواضع يصح أن يقال إنه كان عن الهيولى ، وفي كثير منها لا يصح ودائما يقال إنه (2) كان عن العدم ، فإنه لا يقال كان عن الإنسان (3) كاتب ، بل يقال إن الإنسان كان كاتبا ، ويقال عن النطفة كان إنسان ، ويقال عن الخشب كان سرير ، والسبب في ذلك اما في النطفة فلأنها خلعت صورة (4) النطفية فيكون هاهنا لفظة «عن» تدل على معنى بعد كما تدل في قولهم «كان» عن العدم ، كما يقال إنه كان عن اللاإنسان (5) إنسان (6) أى بعد اللاإنسانية (7) وأما في الخشب فحيث يقال أيضا عن الخشب كان سرير فكان (8) الخشب ، وإن لم يخل عن صورة الخشب فقد خلا عن صورة ما إذا الخشب ما لم يتغير في صفة من الصفات وشكل من الأشكال بالنحت والنجر لا يكون عنه السرير ولا يتشكل بشكله ، فيشبه النطفة من وجه ، إذ كل منهما قد تغير عن حال فيستعمل فيه أيضا لفظة «عن».
فهذان الصنفان من الموضوعات والهيوليات يقال فيهما «عن» بمعنى (9) «بعد» ، وصنف من الموضوعات يستعمل فيه لفظة «عن» ولفظة «من» على معنى آخر. وبيان ذلك أنه إذا كانت موضوعات ما لصورة (10) من الصور إنما يوضع لها بالمزاج والتركيب ، فقد يقال إن الكائن يكون عنها ويدل بلفظة «عن» وبلفظة «من» على أن الكائن متقوم منها ، كقولنا كان (11) عن الزاج والعفص كان المداد. ويشبه أيضا أن يكون الصنف الأول يقال فيه لفظة «عن» بمعنى مركب من البعدية وهذا المعنى ، فإن النطفة والخشب كان عنها ما كان بمعنى أنه كان بعد أن كانت على حال ثم استل منهما (12) شيء وقوم به الكائن الذي قيل إنه كان عنهما (13) فما كان مثل النطفة والزاج فلا يقال فيه أنه كان الشيء الكائن ، فلا يقال أن النطفة كانت (14) إنسانا أو الزاج كان حبرا ، كما يقال إن الإنسان كان كاتبا إلا بنوع من المجاز وبمعنى (15) صار أن تغير. وما كان مثل الخشب فقد يقال فيه كلا الوجهين فيقال عن الخشب كان سرير ، وأن الخشب كان سريرا ، وذلك لأن الخشب من حيث هو خشب لا يفسد (16) فساد النطفة ، فيشبه الإنسان من حيث يقبل الكتابة ، ولكنه ما لم يخل شكلا لم يقبل شكل السرير ، فيشبه النطفة
Shafi 19