وأما أصحاب التذكر فقد نقض احتجاجهم فى الصناعة الآلية، وأما حجة هؤلآء الذين يجزؤون النفس فقد أخذ فيها مقدمات باطلة، من ذلك قولهم إنه توجد النفس النباتية مفارقة للحساسة، فيجب أن يكون فى الإنسان شىء آخر غيره، فإن هذه المقدمة سوفسطائية، وذلك لأن المفارقة تتوهم على وجوه، والتى نحتاج إليها هاهنا وجهان، أحدهما أنه قد يتوهم لها مفارقة كما للون عن البياض وللحيوان عن الإنسان إذ توجد هذه الطبيعة فى غير البياض وتلك فى غير الإنسان بأن يقارن كل فصلا آخر، وقد تتوهم مفارقة كما للحلاوة المقارنة للبياض فى جسم، فإنها قد توجد مفارقة له، فتكون الحلاوة والبياض قوتين مختلفتين لا يجمعهما شىء، وأليق المفارقات بالنفس النباتية للنفس الحساسة هو القسم الأول، وذلك لأن النفس النباتية الموجودة فى النخلة لا تشارك القوة النامية الموجودة فى الإنسان البتة فى النوع، فإن تلك القوة ليست بحيث تصلح لأن تقارن النفس الحيوانية البتة، ولا القوة النامية التى للحيوان تصلح لأن تقارن النفس النخلية، ولكن يجمعهما معنى واحد وهو أن كل واحدة منهما تغذى وتنمى وتولد وإن كانت بعد ذلك تنفصل بفصل مقوم منوع لا بعرض فقط، والمعنى الموجود فيهما جميعا هو جنس القوة النباتية التى للإنسان، ويفارق على جهة ما يفارق المعنى الجنسى، ونحن لا نمنع أن يوجد جنس هذه القوى لأشياء أخرى، وليس ذلك أنه يجب ان لا تجتمع هذه القوى فى الإنسان لنفس واحدة، بل ليس يجب من ذلك أن لا تكون الطبيعة النامية الموجودة فى الحيوان مقولة على نفس الحيوانية التى له حتى تكون نفسه الحيوانية هى تلك القوة كما أن الإنسان ليس شيئا غير حصته فى جنس الحيوانية، وهذا شىء قد تحقق لك فى المنطق، فهذا ليس يوجب أن تكون النفس النامية التى فى الإنسان غير النفس الحيوانية فضلا عن أن تكونا قوتى نفس واحدة، فليس إذا النباتية التى فى الإنسان توجد البتة مفارقة بنوعها للإنسان، واحتجاجهم غير منتفع به إذا كانت القوة لا تفارق بنوعيتها بل بجنسيتها، وهما مختلفتان، ومع ذلك فلنضع القوة النباتية فى الحيوان مخالفة للقوة الحيوانية فيه كأن كل واحدة منهما نوع محصل منفرد بنفسه وليس أحدهما الآخر ولا مقولا عليه، فما فى ذلك مما يمنع أن تكون القوتان جميعا فى الحيوان لنفس الحيوان، كما أنه ليس إذا وجدت الرطوبة فى غير الهواء وليست مقارنة للحرارة يجب من ذلك أن لا تكون الرطوبة والحرارة فى الهواء لصورة واحدة أو لمادة واحدة، وليس إذا كانت حرارة توجد غير صادرة عن الحركة بل عن حرارة أخرى يجب من ذلك أن الحرارة فى موضع آخر ليست تابعة للحركة،
Shafi 261