نقول إن النفس الإنسانية قد تكون عاقلة بالقوة، ثم تصير عاقلة بالفعل، وكل ما خرج من القوة إلى الفعل فإنما يخرج بسبب بالفعل يخرجه، فها هنا سبب هو الذى يخرج نفوسنا فى المعقولات من القوة إلى الفعل، وإذ هو السبب فى إعطاء الصور العقلية فليس إلا عقلا بالفعل عنده مبادى الصور العقلية مجردة، ونسبته إلى نفوسنا نسبة الشمس إلى أبصارنا، فكما أن الشمس تبصر بذاتها بالفعل وتبصر بنورها بالفعل ما ليس مبصرا بالفعل كذلك حال هذا العقل عند نفوسنا، فإن القوة العقلية إذا اطلعت على الجزئيات التى فى الخيال وأشرق عليها نور العقل الفعال فينا الذى ذكرناه استحالت مجردة عن المادة وعلائقها وانطبعت فى النفس الناطقة لا على أنها أنفسها تنتقل من التخيل إلى العقل منا ولا على أن المعنى المغمور فى العلائق وهو فى نفسه واعتباره فى ذاته مجرد - يفعل مثل نفسه، بل على معنى أن مطالعتها تعد النفس لأن يفيض عليها المجرد من العقل الفعال، فإن الأفكار والتأملات حركات سعدة للنفس نحو قبول الفيض، كما أن الحدود الوسطى معدة بنحو أشد تأكيدا لقبول النتيجة وإن كان الأول على سبيل والثانى على سبيل أخرى كما ستقف عليه، فتكون النفس الناطقة إذا وقعت لها نسبة ما إلى هذه الصورة بتوسط إشراق العقل الفعال حدث منها فيها شىء من جنسها من وجه وليس من جنسها من وجه كما أنه إذا وقع الضوء على الملونات فعل فى البصر منها أثرا ليس على جملتها من كل وجه، فالخيالات التى هى معقولات بالقوة تصير معقولات بالفعل لا أنفسها بل ما يلتقط عنها، بل كما أن الأثر المتأدى بواسطة الضوء من الصور المحسوسة ليس هو نفس تلك الصور بل شىء آخر مناسب لها يتولد بتوسط الضوء فى القابل المقابل كذلك النفس الناطقة إذا طالعت تلك الصور الخيالية واتصل بها نور العقل الفعال ضربا من الاتصال استعدت لأن تحدث فيها من ضوء العقل الفعال مجردات تلك الصور عن الشوائب،
Shafi 236