فصل في الكلام في الواحد فنقول: إن الواحد يقال بالتشكيك على معان تتفق في أنها لا قسمة فيها بالفعل من حيث كل واحد هو هو، لكن هذا المعنى يوجد فيها بتقدم وتأخر، وذلك بعد الواحد بالعرض. والواحد بالعرض هو أن يقال في شيء يقارن شيئا آخر، أنه هو الآخر، وأنهما واحد. وذلك إما موضوع ومحمول عرضي، كقولنا: إن زيدا وابن عبد الله واحد، وإن زيدا والطبيب واحد؛ وإما محمولان موضوع، كقولنا: الطبيب هو وابن عبد الله واحد، إذ عرض أن كان شيء واحد طبيبا وابن عبد الله؛ أو موضوعان في محمول واحد عرضي، كقولنا: الثلج والجص واحد، أي في البياض، إذ قد عرض أن حمل عليهما عرض واحد. لكن الواحد الذي بالذات، منه واحد بالجنس، ومنه واحد بالنوع وهو الواحد بالفصل، ومنه واحد بالمناسبة، ومنه واحد بالموضوع، ومنه واحد بالعدد. والواحد بالعدد قد يكون بالإتصال، وقد يكون بالتماس، وقد يكون لأجل نوعه، وقد يكون لأجل ذاته. والواحد بالجنس قد يكون بالجنس القريب، وقد يكون بالجنس البعيد. والواحد بالنوع كذلك قد يكون بنوع قريب لا يتجزأ إلى أنواع، وقد يكون بنوع بعيد فيوافق أحد قسمي الباب الأول، وإن كان هناك اختلاف في الإعتبار. وإذا كان واحد بالنوع فهو لا محالة واحد بالفصل، ومعلوم أن الواحد بالجنس كثير بالنوع، وأن الواحد بالنوع قد يجوز أن يكون كثيرا بالعدد، وقد يجوز أن لا يكون إذا كانت طبيعة النوع كلها في شخص واحد، فيكون من جهة نوعا ومن جهة لا يكون نوعا، إذ هو من جهة كلي ومن جهة ليس بكلي. وتأمل في هذا الوضع الذي نتكلم فيه على الكلي، أو تذكر مواضع سلفت لك. وأما الواحد بالإتصال فهو الذي يكون واحدا بالفعل من جهة، وفيه كثرة أيضا من جهة. أما الحقيقي فهو الذي تكون فيه الكثرة بالقوة فقط، وهو إما في الخطوط: فالذي لا زاوية له، وفي السطوح أيضا: البسيط المسطح، وفي المجسمات: الجسم الذي يحيط به سطح ليس فيه انفراج على زاوية؛ ويليه ما يكون فيه كثرة بالفعل إلا أن أطرافها تلتقي عد حد مشترك مثل جملة الخطين المحيطين بالزاوية، ويليه أن تكون الأطراف متماسة تماسا يشبه المتصل في تلازم حركة بعضها لبعض فتكون وحدتها كأنها تابعة لوحدة الحركة لأن هناك التحاما، وذلك كالأعضاء المؤلفة من أعضاء، وأولى ذلك ما كان التحامه طبيعيا لا صناعيا.
Shafi 49