فأما شكوك أصحاب القول بجوهرية الكيف، فالأحرى بها أن تورد في العلم الطبيعي، وكأنا قد فعلنا ذلك. وأما أصحاب القول بجوهرية الكم، فمن ذهب إلى أن المتصلات هي جواهر ومبادئ للجواهر فقد قال: إن هذه هي الأبعاد المقومة للجوهر الجسماني، وما هو مقوم للشيء فهو أقدم، وما أقدم من الجواهر فهو أولى بالجوهرية، وجعل النقطة أولى الثلاثة بالجوهرية. وأما أصحاب العدد، فإنهم جعلوا هذه مبادئ الجواهر، إلا أنهم جعلوها مؤلفة من الوحدات حتى صارت الوحدات مبادئ للمبادئ، ثم قالوا: إن الوحدة طبيعة غير متعلقة في ذاتها بشيء من الأشياء، وذلك لأن الوحدة تكون في كل شيء، وتكون الوحدة في ذلك الشيء غير ماهية ذلك الشيء، فإن الوحدة في الماء غير الماء، وفي الناس غير الناس، ثم هي بما هي وحدة مستغنية عن أن تكون شيئا من الأشياء، وكل شيء فإنما يصير هو ما هو بأن يكون واحدا متعينا، فتكون الوحدة مبدأ للخط وللسطح ولكل شيء، فإن السطح لا يكون سطحا إلا بوحدة اتصالها الخاص، وكذلك الخط والنقطة أيضا وحدة صار لها وضع. فالوحدة علة كل شيء. وأول ما يكون ويحدث عن الوحدة العدد. فالعدد هو علة متوسطة بين الوحدة وبين كل شيء، فالنقطة وحدة وضعية، والخط اثنوية وضعية، والسطح ثلاثية وضعية، والجسم رباعية وضعية؛ ثم تدرجوا إلى أن جعلوا كل شيء حادثا عن العدد. فيجب علينا أولا أن نبين: أن المقادير والأعداد أعراض، ثم نشتغل بعد ذلك بحل الشكوك التي لهؤلاء. وقبل ذلك يجب أن نعرف حقيقة أنواع الكمية، والأولى بنا أن نعرف طبيعة الوحدة، فإنه يحق علينا أن نعرف طبيعة الواحد في هذا الموضوع بشيئين: أحدهما، أن الواحد شديد المناسبة للموجود الذي هو موضوع هذا العلم؛ والثاني، أن الواحد مبدأ ما بوجه ما للكمية. أما كونه مبدأ للعدد، فأمر قريب من المتأمل. وأما للمتصل فلأن الإتصال وحدة ما، وكأنه علة صورية للمتصل، ولأن المقدار كونه مقدارا هو أنه بحيث يقدر، وكونه بحيث يقدر هو كونه بحيث يعد، وكونه بحيث يعد كونه بحيث أن له واحدا.
الفصل الثاني (ب)
Shafi 48