وهؤلاء لا يقولون به. وثانيا أن طبيعة الجسمية التي لها لا يكون مستحيلا عليها ذلك وإنما يستحيل ذلك عليها من حيث صورة تنوعها، ونحن لا نمنع ذلك، ويجوز أن يقارن الجسمية شيء يجعل ذلك الجسم قائما نوعا لا يقبل القسمة ولا الإتصال بغيره؛ وهذا قولنا في الفلك. والذي يحتاج إليه ههنا هو أن تكون طبيعة الجسمية لا تمنع ذلك بما هي طبيعة الجسمية. فنقول أولا: قد تحققنا أن الجسمية من حيث هي جسمية ليست غير قابلة للإنقسام، ففي كلطباع الجسمية أن تقبل الإنقسام. فيظهر من هذا أن صورة الجسم والأبعاد قائمة في شيء. وذلك أن هذه الأبعاد هي الإتصالات أنفسها أو شيء يعرض للإتصال، على ما سنحققها، وليست أشياء يعرض لها الإتصال. فإن لفظ الأبعاد إسم لنفس الكميات المتصل لا للأشياء التي تعرض لها الإتصال. والشيء الذي هو الإتصال نفسه أو المتصل بذاته فمستحيل أن يبقى هو بعينه، وقد يظل الإتصال. فكل إتصال بعد إذا انفصل بطل ذلك البعد وحصل بعدان آخران. وكذلك إذا حصل إتصال، أعني الإتصال بالمعنى الذي هو فصل لا عروض، وقد بينا هذا في موضع آخر. فقد حدث بعد آخر وبطل كل واحد مما كان بخاصيته. ففي الأجسام إذن شيء موضوع للإتصال والإنفصال، ولما يعرض للإتصال من المقادير المحدودة. وأيضا فإن الجسم من حيث هو جسم له صورة الجسمية، فهو شيء بالفعل؛ ومن حيث هو مستعد أي استعداد شئت فهو بالقوة؛ ولا يكون الشيء من حيث هو بالقوة شيئا هو من حيث هو بالفعل شيئا آخر، فتكون القوة للجسم لا من حيث له الفعل. فصورة الجسم تقارن شيئا آخر غير له في أنه صورة، فيكون الجسم جوهرا مركبا من شيء عنه له القوة، ومن شيء عنه له الفعل. فالذي له به الفعل هو صورته، والذي عنه بالقوة هو مادته، وهو الهيولي. ولسائل أن يسأل ويقول: فالهيولي أيضا مركبة، وذلك لأنها في نفسها هيولي وجوهر بالفعل، وهي مستعدة أيضا. فنقول: إن جوهر الهيولي وكونها بالفعل هيولي ليس شيئا آخر إلا أنه جوهر مستعد لكذا، والجوهرية التي لها تجعلها بالفعل شيئا من الأشياء، بل تعدها لأن تكون بالفعل شيئا بالصورة. وليس معنى جوهريتها إلا أنها أمر ليس في موضوع. فالإثبات ههنا هو أنه أمر، وأما أنه ليس في موضوع فهو سلب، "وأنه أمر" ليس يلزم منه أن يكون شيئا معينا بالفعل لأن هذا عام، ولا يصير الشيء بالفعل شيئا بالأمر العام ما لم يكون له فصل يخصه وفصله أنه مستعد لكل شيء، فصورته التي تظن له هي أنه مستعد قابل.
Shafi 35