3
استيقظ شطا الحجري عند الضحى. اجتاحته ضوضاء الحياة. ما زال الصيف يزفر نارا. استيقظت معه ذكريات الليل. لم يلق إليه المعلم بأية إرشادات. هل ينتظر حتى تجيئه إشارة؟ كلا، عليه أن يتحرك. ليتحرك حتى لا تنفرد به الأفكار. قرر أن يذهب إلى دار الديناري. أول مرة يعبر البوابة العملاقة. اخترق فناء واسعا. إلى اليمين مجمع نخلات مثقلة بالبلح الأحمر وإلى اليسار إصطبل. سمح له بالانتظار في منظرة. طالعته في الجدار الأوسط بسملة مذهبة تشرف على الأرائك والبساط السنجابي. حتى أذان الظهر انتظر ثم جاء الرجل. خيل إليه أنه يرى رجلا آخر. لأول مرة يرى شعر رأسه الأسود، ولأول مرة يخطر أمامه في جلباب فضفاض أبيض، أما رائحة المسك فهي دائما تنتشر منه. تربع فوق الكنبة الوسطى ثم أشار إلى الأرض قائلا: اجلس.
فتربع على مبعدة قصيرة من موطئ قدميه، ثم قال كالمعتذر: جئت بلا دعوة.
قال ووجهه لا ينم عن شيء: لو لم تفعل لاعتبرت الأمر كأن لم يكن.
فحمد الله في سره على أول توفيق يصيبه. وسأله الرجل: ماذا قال الرجال أمس عقب ذهابي؟ - اتهموني بتجاوز الحد. - هي الحقيقة بالقياس إليهم هم.
فحمد الله في سره مرة أخرى، على حين رجع المعلم يسأل: ماذا عن أمك الغجرية؟ - قلقة وخائفة. - لو لم تقدم لاتهمتك بالجبن!
انقطع الكلام قليلا حتى قال شطا: إني رهن إشارتك.
فمد ساقيه قائلا: دلك ساقي.
فشمر شطا عن ساعديه وراح يدلك الساقين المدمجتين بارتياح وفخار. تواصل الصمت حتى تساءل المعلم: ما الذي دفعك إلى القبول؟
فبادره شطا بحماس: أن أحظى برضاك. - كاذب، أو نصف كاذب، إنه الطموح، ولكن لا فتونة بلا جنون.
Shafi da ba'a sani ba