فتمتم شطا بنبرة حزينة: أمي وأخواتي أيضا!
تبادلا نظرة طويلة حائرة. أفصحت النظرة عن أشياء انحبست وراء معانيهما. قالت النظرة إنهما اندفعا مع عاطفة طاغية دون تفكير في العواقب. الحق أنهما لم يشعرا بصفاء السعادة إلا في رحاب الاندفاعة المذهلة. الآن يعترضهما جدار سميك من الحقائق المرة بأنيابها الحادة. وكالغريق الذي يتعلق بقشة قال شطا: وراءنا طريق مسدود، وعلينا أن نستخلص من القمامة جوهرة السعادة المفقودة.
فتأوهت قائلة: اللعنات تطاردني في الطريق. - علينا أن نجعل من الحاضر ماضيا.
فنكست وجهها صامتة فرجع يقول: فعلنا ما هو صواب ومشرف. - ولكننا نسينا العواقب، دعنا نبحث عن رزقنا في مكان آخر. - لن يخفف ذلك البلاء عن أهلنا. - والعمل؟ - لا مفر من مواصلة الحياة. - لكنها مليئة بالمرارة!
فقال بضيق: لا مفر ولا حيلة!
13
في مساء اليوم الثالث استبقاه الشيخ ضرغام إمام الزاوية عقب صلاة العشاء، وقال له: عندي رسالة إليك من الشيخ عقلة إمام حارتكم.
أصغى شطا بفتور وتشاؤم، فقال الشيخ: إنه يخبرك بأن ما يعانيه أهلك وأهل زوجك فوق ما يحتمل البشر.
فتقبض وجه شطا وهو يقول: الحزن يمزق قلبي! - أيكفي ذلك؟ الناس هنا يتساءلون كيف تنعمان بالحب على حين يؤدي أهلكما عنكما ضريبة العذاب؟ - أهل الدرب هنا يكرهوننا يا مولاي. - إنهم معذورون. - فقال شطا متنهدا: من الأوفق أن نذهب. - إلى أين؟ - إلى أي مكان. - والمعذبون وراءكم؟ - فقال شطا باستياء: كأنما تدعونا إلى الموت! - إني أخاطب ضميرك. - ضميري هو ما ساقنا إلى هنا، والمسألة أننا ضحية عبث. - عبث؟! - أجل، عبث لا معنى له. - ولكن، انظر، ما من فعل إلا وله سببه وله هدفه أيضا. - لقد خدعت فكلفت بمهمة عابثة. - ألم تكن تطمح إلى أن تكون فتوة حارتكم ذات يوم؟ - أيعني ذلك أن أكون ألعوبة في يد الغير؟ - من أجبرك؟ - عظيم، لقد اخترت بعد ذلك أن أفعل ما رأيته صوابا. - وها هو يتكشف عن أخطاء فمن ذا يصلحها؟ - وإذا سرت إلى الهلاك بقدمي فهل تدافع عني أنت؟
فقال الشيخ ببرود: الهلاك نهاية كل حي، ولكن يوجد الخطأ كما يوجد الصواب أيضا.
Shafi da ba'a sani ba