126

Shaidan Yana Wa'azi

الشيطان يعظ

Nau'ikan

فقال وفيق: أبي يهمه ولا شك أن يعرف رأيك.

فحركت رأسي موافقا وأنا ألاطم أمواج الانتباهة المزعجة. عند ذاك قال الدكتور جلال: العمل ضرورة ولكنه ليس الهدف. - إذن فما الهدف؟ - لعله التحرر من ضرورة العمل.

وحل صمت ولكن بدا من تألق عينيه أنه يمنحنا فرصة لاستيعاب قوله قبل أن يستمر فيه، وقال: مثلا، مهنة الطب ضرورة ما بقي المرض، فإذا قهرنا الأمراض امحت ضرورة الطب ... هدف الإنسان الفراغ الثري!

فقلت ضاحكا: إذن فقد حقق لي المرض الهدف المنشود!

فقال جادا: لقد أوصلك إلى الطريق الذي يجب أن تلتزمه في حالتي المرض والشفاء.

ثم التفت إلي وفيق قائلا: دعني أشرح لك رأيي، بماذا يتميز الإنسان عن الحيوان؟ بالعقل والروح، فعمله الإنساني الجدير به حقا يجب أن يكون عقليا أو روحيا، ولكن حضارته بدأت بالسعي نحو الطعام، بدأت بالصيد مثل الحيوان، تاريخ الحضارة هو تاريخ العمل. ولكنه أيضا تاريخ التحرر من العمل درجة بعد درجة، حرر يديه باختراع الآلة ومضى في ذلك السبيل الطويل حتى بلغ مرحلة المصنع الأوتوماتيكي الذي يعده بأقل عمل وأكبر فراغ، فلا تتصور أبدا أن الزراعة أو الصناعة أو تكديس المال يمكن أن تكون أهدافا في ذاتها، إنها مراحل من الضرورة يمارسها الإنسان ليبلغ حريته ويمارس إنسانيته.

إني على أي حال أكثر استعدادا لتلقي هذه الأفكار من أسرتي التي تجلي الذهول في أعينها. وتجسد الانفعال في وجه وفيق فقال: يا له من خيال! أحدثك يا دكتور عن حياتنا الواقعة فتحدثني عن حياة لن تتحقق أبدا، إني أتحدث باسم أربعة آلاف ملايين من البشر ربعهم مهدد بالمجاعة!

فقال جلال بهدوء: لا يغيب عني ذلك، إني أعرف أن العمل ضرورة حيوية، ولكني أريد أن أنبهك إلى أنه ليس الهدف، هذه الحقيقة تغيب عن كثيرين، بل تغيب عن الرسالات التي خلقت من أجل تحقيقها كالليبرالية والاشتراكية، ولكن هدف آلاف الملايين يجب أن يكون واحدا.

أردت أن أخفف من توتر الجو، وألطف من انفعال وفيق قبل أن ينسى نفسه، فضحكت عاليا وقلت: توهمت أني مريض وإذا بي سوبرمان العصر.

فقال جلال: أرجو ذلك.

Shafi da ba'a sani ba