Shaytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Nau'ikan
قال الهدهد: لما كان اليوم التالي أتيت نزل الكونتيننتال فجلست فوق ذلك البهو العظيم، أرقب طلعة النسر من بين صفوف المارة؛ وكان السياح قد خرجوا إليه من غرفهم، فجلسوا كل جماعة في ناحية، يستمتعون بالشتاء تحت سماء القاهرة، وينظرون الحديقة وهي تتحلى بذهب الأصيل، وتتجلى بالمنظر الجميل؛ وكان يخالطهم هناك نفر من شبان أبناء الكبراء في العاصمة، تدل عليهم طرابيشهم، وما سواها من الأشياء فهم والقوم فيه سواء، وما هو إلا أن اطمأن بي المجلس حتى تراءى النسر يصعد السلم مبديا عزة شماء، ومشيرا بأنفه نحو السماء، كأنه روزفلت يستعرض في البحر، أو غليوم يستعرض في البر، أو هو المتنبي في هذا البيت من الشعر:
تغرب لا مستعظما غير نفسه
ولا قابلا إلا لخالقه حكما
فلما لمحني أقبل نحوي بتهلل، وأنا أضحك من هيئته، وأستعظم كيد شيطانه؛ فقدمت له كرسيا، فجلس جلسة استكبار واستخفاف، كأن لم يقدم على أحد، فازددت ضحكا من سيرته وقلت: هلا تواضع الحكيم، وتأدب الرجل العليم!
قال: وهلا تلطفت في الخطاب، فما كنت أستوجب هذا العتاب. انظر إلى القوم، هل جلست إلا كما يجلسون، أو فعلت غير ما يفعلون؟
قلت: صدقت يا مولاي، ولكن القوم في موقف احتقار لما حولهم، ومن احتقر استهتر؛ فهم لا يعلمون من أمر هذه الأمة إلا أنها أشبه شيء بهؤلاء الحمارة.
قال: إذن فما عمل هؤلاء الشبان، وهم فيما أظن من المصريين؟
قلت: هؤلاء أبناء كبراء القطر يا مولاي، صار لهم عادة في هذه الأيام أن يتنافسوا في معرفة السياح، ويتهافتوا على صحبتهم، ويستبقوا مرضاتهم!
قال: فما بالهم لا يشرفون أقداركم عند أصحابهم؟
قلت: وكيف وهم إنما يتعرفون إليهم بالتبرؤ منا، ثم لا يرونهم من أشيائنا إلا ما يغرهم بهذه الأمة ويخرجهم من وقارها؛ فإذا كان النهار أنشئوا لهم النزهة حوالي الأهرام يوما، وعلى النيل يوما، من مثل ما اعتادوا في بلادهم، وألفوا في ديارهم، من مركب ومأكل، ولهو وقصف؛ وإذا كان الليل دلوهم على عورة العاصمة، وخرجوا بهم إلى كل مكان، يصان عن ذكره اللسان، ولو كانوا على شيء من الأدب أو قليل من العقل لوجدوا في هذا البلد القديم العظيم، من محاسن الآداب، وغرر المناقب، وكرائم الأشياء، ونفائس المآثر، وكثيرا من الحياة الشرقية تجلى بها في أحسن صورها وأجمل معانيها، مما تسر السياح رؤيته، وتهمهم معرفته، وتنفى به التهمة عن أدب المصريين، ويحمل هؤلاء الأجانب على العدول عن البغض والحقارة، إلى الحب والكرامة.
Shafi da ba'a sani ba