Shaytan Bantaur
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
Nau'ikan
فسأله آخر: ما القضاء يا مولاي؟
قال: محكمة ظاهرية ألجأ إليها فساد المحكمة الباطنية.
قال: فما العدل؟
قال: شيء كان مع الإنسان الأول حين لم يكن له في الأرض شريك يزحمه، وكان لا يجد عليها من يظلمه.
قال الهدهد: فبينما النسر وأصحابه في التحادث، إذ دعي المتقاضيان للمثول في موقف القضاء، فدخل الأستاذ ونفر من الشهود له وعليه، وكان القضاة نحو سبعة، هم حاكم القسم ومعاونوه من كتاب الناحية وأعيانها، وكان مترديا حلة للقضاء بيضاء ضافية محلاة الحواشي، تزهو بقلائد العقيان التي كان الحكام يزينون بها صدورهم كلما جلسوا للحكم بين الناس، فلما صار النسر بين أيديهم قال له الحاكم: أيها الأستاذ، إن لك بمقتضى مناصبك السامية في المملكة أن ترغب عن قضائنا إلى قضاء جلالة الملك، كما لك أن تقبل منا، قضينا لك أم عليك، فانظر ماذا تؤثر؟
قال: رضيت بقضائكم لأن مناصبي السامية في المملكة ليس من شأنها أن تميزني على خصمي هذا في موقف يستوي فيه الخصوم، ويقتص فيه للحصى من النجوم، فاسمعوا له ولي، ثم اقضوا ما أنتم قاضون.
قال: إنه يقول إنك أزريت به وبتجارته، وإنه لا بد له من بدل، ويطلب من المحكمة أن تحكم له بمال يأخذه منك، وقد جاء بشهود من عنده للإثبات، فهل جئت بشهود من عندك للنفي؟
قال: ليس لي شهود من عندي أيها القاضي، وما خطر لي قط على بال أن الشهادة تتجزأ؛ لأنه لا فضيلة ولا عبادة، حيث يختلف اثنان في شهادة؛ وإني لأعجب لكم معشر الحكام كيف تقبلون من شاهد أن يثبت ومن آخر أن ينفي، وأنتم تعلمون أن أحدهما كاذب، أو محرف للشهادة لا محالة، وقبول الكذب إغراء به؟ إن الشاهد دعامة القضاء، إذا متنت متن، وإذا وهنت وهن، فقوموه تقوموا به، ولو أن من الآلهة قضاة في الأرض، ومن الملائكة متقاضيين وفسد الشاهد لفسدوا جميعا. الشاهد عنوان الأمة، فاجعلوا عنوانها الصدق والفضيلة، لا المين والرذيلة، إن شاهدين يقول أحدهما رأيت نهارا فيقول الآخر رأيت ليلا، ويقول الأول سمعت ضحكا فيقول الآخر سمعت بكاء، لمن حقهما أن يفصل بينهما قبل أن يفصل بين المتقاضين؛ فمن كذب منهما يسلب السمع والأبصار، وينادى عليه في الناس بالفضيحة والعار.
قال الحاكم: إن مقام هذا المقال المدرسة لا المحكمة أيها الأستاذ، لا بد لنا أن نسمع الشهود، فليخرجوا وليبق منهم واحد.
فخرجوا إلا واحدا، فطلب القاضي منه أن يؤدي اليمين القانونية، وهي عند المصريين القدماء: «أقسم بحياة الملك، وبنعمة الآلهة ...» فأداها، ثم قص على المحكمة ما رأى وما سمع، وحدث القضاة حديث الخطبة، وأعاد عليهم منها حتى فرغ من الشهادة فذهب لشأنه، وجيء بغيره فأداها، ثم شهد ثالث ورابع وخامس، فرأيت الكل على خلق واحد من توخي الصدق والتوجه إلى الحقيقة والإيجاز في العبارة، فغبطت قضاة الفراعنة بهم وبسائر الأمة، أمة الأخلاق، ورثيت في نفسي لقضاتنا، علما بما يكابدون من جهل الشهود وروغانهم من الحقيقة، وخبطهم في المقالة، بما يخرج القاضي أحيانا من سكينته، ويشتت خواطره، ويذهب بثمين وقته سدى.
Shafi da ba'a sani ba