225

إذا ثبت هذا ، ومعلوم أن في أفعال العباد ما يشتمل على التهود والتنصر والتمجس ، ولي شيء من ذلك متقنا ، فلا يجوز أن يكون الله تعالى خالقا لها.

فإن قال : ما أنكرتم أن هذه الأشياء متقنة لتضمنها الدلالة على أن الله تعالى جعلها متناقضة فاسدة؟.

قلنا : إن ذلك لا يصح من وجوه :

** أحدها

فيكم من جهة الله تعالى على سائر الوجوه عندكم ، فكيف يقال إن الله تعالى جعلها على وجه ولم يجعلها على وجه؟.

** ومنها

الله تعالى جعله متناقضا؟ يبين ذلك ، أنه لو كان لجعل الجاعل تأثير في تناقض الشيء وفساده ، لكان لا يمتنع أن يجعل الظلم متناقضا فاسدا في بعض الحالات ، والعدل في بعضها ، وذلك محال.

وأيضا ، فليس يكفي في كون الفعل متقنا أن يكون دلالة على أمر من الأمور بل لا بد أن يكون حسنا ، ألا ترى أن الكلام الفصيح الذي يشتمل على الفحش والخنا لا يوصف بالإتقان مع تضمنه الدلالة على أن فاعله قادر عالم ، ففسد ما قالوه.

ثم إنه رحمه الله ، ذكر : أن جميع القرآن يشهد على ما قلناه ويؤذن بفساد مذهبهم ، لأن جميع القرآن أو أكثره يتضمن المدح والذم والوعد والوعيد والثواب والعقاب ، فلو كانت هذه التصرفات من جهة الله تعالى مخلوقة في العباد ، لكان لا يحسن المدح ولا الذم ولا الثواب ولا العقاب ، لأن مدح الغير وذمه على فعل لا يتعلق به لا يحسن.

فإن قيل : ما أنكرتم أن هذه التصرفات متعلقة بنا من جهة الكسب؟ قلنا : إن الكسب غير معقول ، وما لا يعقل لا يجوز أن يكون جهة الحاجة.

وبعد ، فإن الكسب عندكم يجب مع الصحة ، وما يجب عند الصحة لا يجوز أن ينصرف إليه المدح والذم ويستحق عليه الثواب والعقاب.

Shafi 241