أمير المؤمنين أن أهل الشام مع كثرتهم على الباطل وأهل العراق مع قلتهم على الحق ، فقال له : يا جار إنه لملبوس عليك ، الحق لا يعرف بالرجال ، وإنما الرجال يعرفون بالحق ، اعرف الحق تعرف أهله قلوا أم كثروا ، واعرف الباطل تعرف أهله قلوا أم كثروا.
فإن قالوا : أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «عليكم بالسواد الأعظم» ، فهذا يدل على أن تقليد الأكثرين أولى ، قلنا : إن صح هذا الخبر وثبت فالمراد به أن الأمة متى أجمعت على حكم شرعي يجب متابعتهم ولا يجوز مخالفتهم.
ومن جيد ما يعتمد عليه في فساد التقليد هو ، أن المقلد لا يخلو إما أن يقلد العالم أو غير العالم ، لا يحل أن يقلد غير العالم ، فإذا قلد العالم فلا يخلو ذلك العالم إما أن يكون قد علم ما قد علمه تقليدا ، أو بطريقة أخرى ، لا يجوز أن يكون قد علمه تقليدا ، لأن الكلام فيه كالكلام في الأول فيؤدي إلى ما لا يتناهى من المقلدين ومقلدي المقلدين ، وهذا محال ، وإن علمه بطريقة أخرى ، فلا يخلو إما أن يعلمه اضطرارا أو استدلالا لا يجوز أن يعلمه اضطرارا لما تقدم من الوجوه لأنه كان يجب أن يشاركه فيه ، فلم يبق إلا أن يعلمه ، استدلالا على ما نقوله. وهذا يبين لك فساد التقليد.
ومما يعتمد عليه في فساد التقليد وهو أجود أن المقلد لا يأمن خطأ من قلده فيما يقدم عليه من الاعتقاد وأن يكون جهلا قبيحا ، والإقدام على ما لا يؤمن كونه جهلا قبيحا بمنزلة الإقدام عليه مع القطع على ذلك.
** شبهة الخلط بتقليد الرسول
فإن قيل : ألستم جوزتم تقليد الرسول فقد دخلتم فيما عبتم علينا ، قلنا : معاذ الله أن يكون ذلك تقليدا ، لأن التقليد هو قبول قول الغير من غير أن يطالبه بحجة وبينة ، ونحن إنما قبلنا قوله لظهور العلم المعجز عليه.
** تقليد العامي للعالم
فإن قيل : ألستم جوزتم للعامي تقليد العالم ، قلنا : إن ذلك ليس بتقليد ، فإنا إنما جوزنا له الرجوع إلى قول العالم لقوله تعالى : ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [الأنبياء : 7] ولأن الأمة اتفقت على أن له الرجوع إليه ، فلا يكون تقليدا. وبعد
Shafi 32