واحد الآلاء التي هي النعم ، فكأنه تعالى قال : وجوه يومئذ ناظرة آلاء ربها منتظرة ، ونعمه مترقبة.
وقد أجاب شيخنا أبو عبد الله البصري ، بأن النظر إذا كان بمعنى تقليب الحدقة الصحيحة يعدى بإلى ، فكذلك إذا كان الانتظار لا يمتنع أن يعدى بإلى لأن المجازات يسلك بها مسلك الحقائق ، وهذا إشارة إلى أن النظر بمعنى الانتظار مجاز وحقيقته تقليب الحدقة ، وليس كذلك ، لأن النظر لفظة مشتركة بين معان كثيرة على ما مر.
وبعد : فلو جاز أن يعلق النظر بالعين ويراد به الانتظار ، لجاز أن يعلق به الوجه أيضا ويراد به الانتظار ، ومعلوم أنهم يعلقون النظر بالعين ويعدونه بإلى ويريدون به الانتظار.
وعلى هذا قال الشاعر :
تراه على قرب وإن بعد المدى
بأعين آمال إليك نواظر
على أن الوجه هاهنا ليس بمقصود ، وإنما المقصود صاحب الوجه قال الله تعالى : ( ووجوه يومئذ باسرة (24) تظن أن يفعل بها فاقرة (25)) ومعلوم أن الوجوه لا تظن وإنما أصحاب الوجوه يظنون.
هذا هو التأويل الأول والكلام عليه.
وأما التأويل الثاني ، فهو أن النظر بمعنى تقليب الحدقة الصحيحة ، فكأنه تعالى قال : ( وجوه يومئذ ناضرة (22)) ذكر نفسه وأراد غيره ، كما قال في موضع آخر ( وسئل القرية ) [يوسف : 82] أي أهل القرية ، وقال : ( إني ذاهب إلى ربي ) أي إلى حيث أمرني ربي ، وقال : ( وجاء ربك ) [الفجر : 22] أي وجاء أمر ربك ، وقال عنترة :
هلا سألت الخيل يا ابنة مالك
إن كنت جاهلة بما لم تعلمي
أي أرباب الخيل ، وقال آخر :
سل الربع أني يممت أم مالك
وهل عادة للربع أن يتكلما
وكلا التأويلين مرويان عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وعن عبد الله بن عباس ، وجماعة من الصحابة والتابعين.
قالوا على التأويل : إن هذه الآية وردت في شأن أهل الجنة فكيف يجوز أن يكون بمعنى الانتظار ، لأن الانتظار يتضمن الغم والمشقة ، ويؤدي إلى التنغيص
Shafi 165