129

Sharh Umdat al-Ahkam by Ibn Jibreen

شرح عمدة الأحكام لابن جبرين

Nau'ikan

التيمم يرفع الحدثين ويرتفع بالتيمم الحدث الذي على البدن، سواء كان حدثًا أكبر أو أصغر؛ وذلك لأن الله تعالى ذكر الحدث الأصغر بقوله: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [المائدة:٦] فالحدث الأصغر هو الذي يرتفع بالوضوء، وذكر الحدث الأكبر بقوله: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [المائدة:٦]، وهو الذي يوجب الغسل، لكن عند عدم وجود الماء أو تعذر استعماله فكلا الحدثين يرتفع بالتيمم. قوله: (فَتَيَمَّمُوا) يعني: فاقصدوا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه. فجعل الله هذا التيمم رافعًا للحدث، وجعله طهورًا معنويًا يحصل به نفع ويحصل به استباحة الصلاة، وإن لم يكن فيه تنظيف للبدن ولا إزالة للوسخ ولا غير ذلك من أنواع النظافة، ولكنه تطهير معنوي جعله الله تعالى توسعة؛ لأنه لما فرض الوضوء والغسل فهو يعلم أن الماء قد ينعدم في بعض الأحيان أو يتعذر استعماله، فجعل له بدلًا وهو التراب، وإلا فالأصل أن الطهارة تكون بالماء، وقد ذكر الله في نفس الآية إعواز الماء في قوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ [المائدة:٦] ولهذا ذكر العلماء من شروط العدول إلى التيمم: أن يكون قد بحث عن الماء في رحله وفيما كان قريبًا منه ولم يجده، أو وجده وكان قليلًا وهو بحاجة إليه للشرب أو للطبخ أو نحو ذلك، فحينئذٍ يعدل إلى التيمم، ففيه رخصة وفيه توسعة. والتيمم يحصل من الحدثين الأصغر والأكبر، فالآية نزلت في الأصغر عندما كانوا مسافرين وانعدم الماء واحتاجوا إلى الوضوء، فأمرهم بأن يتيمموا، فجعل التيمم بدلًا عن الوضوء الذي هو غسل الأعضاء الظاهرة، وذكر في الآية نفسها موجب الغسل في قوله: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [المائدة:٦] فإن الملامسة هي الجماع، والجماع موجب للغسل لا الوضوء، فتكون الآية اشتملت على رفع التيمم للحدث الأصغر الذي يوجب الوضوء، ورفعه للحدث الأكبر الذي يوجب الغسل. والأحاديث التي عندنا تتعلق بالغسل، فإن حديث عمران في الغسل، وذلك أن بعض الصحابة تعاظموا أن التيمم يرفع الحدث الأكبر، فقالوا: كيف يرتفع غسل البدن كله بمسح الوجه وبمسح الكفين؟! فلأجل ذلك اعتزل ذلك الرجل الصلاة، فلما انصرف النبي ﷺ وقد صلى بأصحابه وإذا بالرجل معتزلًا جالسًا، فاستنكر جلوسه وتركه للصلاة، فسأله لماذا تركت الصلاة؟ فاعتذر ذلك الرجل بأن عليه حدثًا أكبر، وأنه أصابته جنابة من آثار احتلام أو نحوه، وليس معه ماء يكفيه للاغتسال، فعند ذلك أمره بأن يتيمم فقال: (عليك بالصعيد فإنه يكفيك)، والصعيد هو المذكور في قوله تعالى: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة:٦] .

6 / 3