186

Sharhin Fitarin Rana

شرح طلعة الشمس على الألفية

Nau'ikan

اعلم أن شرط المجاز قرينة تصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى المعنى المجازي كما مر وليست هي جزء من مفهوم المجاز كما ذهب إليه البيانيون لكنها شرط لصحة المجاز كما عليه أئمة الأصول وهي إما عقلية كما في قوله تعالى: { واستفزز من استطعت منهم بصوتك }، فإن العقل يمنع من حمل هذا الأمر على حقيقته، ويصرفه إلى بيان الأقدار له، والتهديد، فإن الحكيم تعالى لا يأمر بالفساد، وإما حسية نسبة لها إلى الحس وهي إما لفظية نحو: رأيت أسدا يرمي، فإن يرمي قرينة لفظية صارفة للفظ الأسد عن معناه الحقيقي؛ لأن الرمي لا يصدر من الحيوان المخصوص الذي وضع له اسم الأسد، وإما غير لفظية نحو: لا آكل من هذه النخلة، فإن الحس الذي هو اللمس مثلا يمنع من أكل أصل النخلة، ويصرف هذا اللفظ إلى ثمرها، وأما عادية ومثل له بعضهم بيمين الفور، وهي ما إذا حلف رجل على امرأته، وقد أرادت الخروج فقال: إن خرجت فأنت طالق قال ذلك البعض أن هذا اليمين يحمل على الفور لاقتضاء العادة ذلك فلا تطلق إن خرجت بعد ذلك الوقت عنده، ومثل علماء البيان لهذا المقام بقولهم: هزم الأمير الجند، إذ العادة قاضية بأن الأمير لا يباشر القتال بنفسه لكن مع أنصاره، وأعوانه، وإما حالية وهي أن يكون حال المتكلم مقتضيا لصرف اللفظ عن حقيقته إلى مجازه كما في قول المسلم أشابني الدهر، وغيرهم صروف الأيام ونحو ذلك فإن حال المسلم يقضي بصرف هذا اللفظ عن حقيقته إذ اعتقاده يوجب أن فاعل ذلك هو الله تعالى، والله أعلم.

ثم إنه أخذ في ذكر الخلاف في وقوع المجاز وصحته فقال:

وهو على الصحيح واقع وفي ... آي الكتاب منه مالا يختفي

وإن نفي وقوعه ومنعه ... قوم فإن منعهم لن نسمعه

اعلم أن الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، أن المجاز واقع في اللغة العربية وفي القرآن العظيم، وقد نفي وقوعه في اللغة العربية الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، وأبو علي الفارسي، قالا: وما يظن مجازا نحو: رأيت أسدا يرمي فهو حقيقة، قال أبو الحسن: وهذا باطل؛ لأنا كما نعلم باضطرار أنهم يستعملون لفظ الحمار للبليد، ولفظ الأسد للرجل الشجاع، نعلم ضرورة أنهم قصدوا التجوز، والتنبيه، وإن استحقاق البليد للفظ الحمار ليس كاستحقاق البهيمة، ولذلك سبق إلى الأفهام من قول القائل: رأيت الحمار البهيمة دون البليد قال: وأما تسمية الخصم مجموع الاسم والقرينة حقيقة فإنه لو صح ذلك لم يقدح في تسمية أهل اللغة للاسم بانفراده مجازا على ما حكمناه عنهم؛ أي لأن الخلاف يكون بيننا وبينهم لفظيا؛ لأنه يرجع إلى نفس التسمية خاصة.

Shafi 205