قلنا: الدليل على حدوث التأليف: أنا نعلم جواز الإفتراق على كل مجتمع علما ضروريا، ويعلم([42]) أنه إذا افترق عدم إجتماعه بالدلالة، فلو كان قديما لما جاز عليه العدم؛ لأن القديم واجب الوجود فلا يفتقر إلى مؤثر من فاعل ولا علة، وإذا لم يفتقر إلى المؤثر كانت صفاته ثابتة لذاته، وذاته مع الأوقات على سواء، فإذا وجبت له صفة في حال، وجبت في جميع الأحوال، وبذلك يصح لنا العلم بحدوث الجسم عند صحة حدوث تأليفه، لأن القديم لا يخرج عن صفته، فإذا اجتمع في الأزل لو قدر ذلك إستحال افتراقه، وإذا افترق استحال اجتماعه، والتأليف تابع للإجتماع.
فإن قيل: إذا قد صح لكم إجتماع الجسم؛ فلا يخلو من أن يكون هو الجسم أو غيره، باطل أن يكون هو الجسم لأنا نعلم، بما يأتي بيانه، أن الإجتماع يعدم والجسم باق موجود، فلا بد من أحد أمرين : إما أن لا يجوز عدم الإجتماع مع وجود الجسم، وإما أن لا يوجد الجسم مع عدم الإجتماع، وكلا الأمرين باطل، فثبت بذلك أن الإجتماع والتأليف غير الجسم.
وأما أن الجسم إذا افترق عدم الإجتماع، فلأنه كان لا يخلو عند حصول الإفتراق للجسم: إما أن يكون موجودا، أو معدوما، باطل أن يكون موجودا لأنه كان لا يخلو: إما أن يكون موجودا فيه أو في غيره ، أو معدوما، باطل أن يكون موجودا فيه لأنه كان يؤدي إلى أحد أمرين مستحيلين: إما أن يوجد ولا يظهر حكمه فلا يكون فرقا بين وجوده وعدمه وذلك محال، وإما أن يظهر حكمه فيكون الجسم مجتمعا مفترقا في حالة واحدة وذلك محال، وإن كان موجودا في غيره بعد أن كان حالا فيه فذلك لا يعقل إلا بالإنتقال، والإنتقال على الأعراض محال، لأن المعقول منه تفريغ جهة وشغل أخرى، وذلك من خصائص الأجسام فلم يبق إلا أن يكون معدوما، وغير الجسم من المحدثات ليس إلا العرض.
Shafi 79