Sharhin Nahjul Balagha
شرح نهج البلاغة
تحدر من أكرم المناسب، وانتمى إلى أطيب الأعراق؛ فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش. وجده عبد المطلب أمير مكة وسيد البطحاء؛ ثم هو قبل ذلك من هامات بنى هاشم وأعيانهم؛ وبنو هاشم كانوا كما وصفهم الجاحظ: «ملح الأرض، وزينة الدنيا، وحلى العالم، والسنام الأضخم، والكاهل الأعظم؛ ولباب كل جوهر كريم، وسر كل عنصر شريف، والطينة البيضاء، والمغرس المبارك، والنصاب الوثيق، ومعدن الفهم، وينبوع العلم... » (1) .
واختص بقرابته القريبة من الرسول عليه السلام؛ فكان ابن عمه، وزوج ابنته، وأحب عترته إليه، كما كان كاتب وحيه، وأقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته، وأحفظهم لقوله وجوامع كلمه؛ أسلم على يديه صبيا قبل أن يمس قلبه عقيدة سابقة، أو يخالط عقله شوب من شرك موروث؛ ولازمه فتيا يافعا؛ فى غدوه ورواحه، وسلمه وحربه؛ حتى تخلق بأخلاقه، واتسم بصفاته، وفقه عنه الدين، وثقف ما نزل به الروح الأمين؛ فكان من أفقه أصحابه وأقضاهم، وأحفظهم وأوعاهم؛ وأدقهم في الفتيا؛ وأقربهم إلى الصواب؛ وحتى قال فيه عمر: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن. وكانت حياته كلها مفعمة بالأحداث، مليئة بجلائل الأمور؛ فعلى عهد الرسول عليه السلام ناضل المشركين واليهود؛ فكان فارس الحلبة ومسعر الميدان، صليب النبع جميع الفؤاد؛ وفي أيام خلافته كانت له أحداث أخرى؛ لقى فيها ما لقى من تفرق الكلمة واختلاف الجماعة، وانفصام العروة؛ ما طوى أضالعه على الهم والأسى، ولاع قلبه بالحزن والشجن؛ وفي كل ما لقى من أحداث وأمور، وما صادف من محن وخطوب، بلا الناس وخبرهم، وتفطن لمطاوى نفوسهم، واستشف ما وراء مظاهرهم؛ فكان العالم المجرب الحكيم، والناقد الصيرفى الخبير.
وكان لطيف الحس، نقى الجوهر، وضاء النفس؛ سليم الذوق، مستقيم الرأى،
Shafi 4