والكلاب والميتات والجيف، ومات الناس في الطرقات، وعجزوا عن التغسيل والتكفين والإقبار، فكانوا يلقون موتاهم في الآبار حتى أنتنت المدينة، وبيعت الأملاك بالدقيق، وبالرغم من ذلك كانت الخمور دائرة والفسق ظاهرًا والمكوس بحالها (١).
أما الحالة العلميَّة فقد كانت نشطة في تلك الفترة - على الرغم مما تقدَّم - فقد كان العلماء متوافرين، وكانت لهم الهيبة لدى العامة والخاصة، وكثر العلماء في شتى الفنون، وكثرت التصانيف في مختلف العلوم، ومما ساعد على نشاط الحركة العلميَّة وازدهارها: تشجيع الخلفاء والملوك للعلم والعلماء، مثل:
المعظَّم عيسى ملك دمشق والشام فقد جاء في ترجمته: أنه كان ... عالمًا، فاضلًا، اشتغل في الفقه على مذهب أبي حنيفة، وحفظ القرآن، وبرع في المذهب، وعَني بالجامع الكبير لمحمد بن الحسن، وصنَّف فيه شرحًا كبيرًا بمعاونة غيره، وحفظ المفصَّل للزمخشرى في اللغة، وكان يحبُّ العلماء، ويكرمهم، ويجتهد في متابعة الخير، ويقول: أنا على عقيدة الطحاوي، وقال عنه ابن كثير: وقد جمع له بين الشجاعة، والبراعة، والعلم، ومحبة أهله. أهـ (٢) وقال عنه ابن الأثير: "ونفق العلم في سوقه، وقصده العلماء من الآفاق، فأكرمهم، وأجرى عليهم الجريات الوافرة، وقرَّبهم، وكان يجالسهم ويستفيد منهم، ويفيدهم .... وسمع مسند الإِمام أحمد وأمر بترتيبه على الأبواب الفِقهيَّة". (٣)
_________
(١) انظر: البداية والنهاية ١٣/ ١٧٧ - ١٧٨.
(٢) المصدر السابق ١٣/ ١٣١.
(٣) انظر: الكامل ١٢/ ٤٧٢.
المقدمة / 32