فإن الذي يكتفي به هذا فقط أن تعلم من أمر حدوثه أن مزاج الهواء الذي حدث فيه كان حارا عديما للرياح رطبا. فقد نرى عيانا أن جميع الأجسام تعفن عند هذه الحال وإن لم نعلم السبب في ذلك. إلا أن أبقراط قد بين السبب في ذلك بقوله «ويصير تحت الجلد صديد فإذا احتقن سخن». فإن معنى قوله «احتقن» إنما هو أنه بقي في البدن داخلا فلم يستفرغ استفراغا ظاهرا للحس ولا استفراغا خفيا لكنه لبث داخلا فعفن ومن قبل ذلك سخن سخونة خارجة عن الأمر الطبيعي.
فلما كان ذلك «ولد» أولا «حكة» والحكة تكون من أخلاط لم تسخن سخونة شديدة جدا لكنها قد ابتدأت أن تسخن. فلما تمادى به الزمان ونفذ أرق ما كان في ذلك الخلط الذي عفن من أسخف أجزاء الجلد بسهولة واجتمع تحت الصفيحة الخارجة منه لكثافتها ولد «النفاخات». فأما الشيء الأغلظ من ذلك الخلط فإنه لم ينفذ إلى أن يبلغ إلى الصفيحة الخارجة من الجلد لكنه احتقن داخلا تحت الجلد واجتمع هناك فعفن وسخن سخونة شديدة حتى «كان يخيل إلى صاحبه أن ما دون الجلد يحترق احتراقا». ثم من بعد هذا فإن النفاخات كانت تتمدد من كثرة الرطوبة التي فيها وتتأكل من حدتها فتنقص. والجلد الذي من تحتها كان يحترق من ذلك الخلط المفرط الحر فيحدث منه فيه شبيه بالخشكريشة التي تحدث من الكي. وهذه الأشياء أشياء تعم جميع الجمر.
Shafi 84