الشرح: عادة أبقراط في كثير من المواضع أن يذكر بعد الفصل ما يقابله، وهذا الفصل كالمقابل لما قبله، لأن فيما قبله ذكر من لا يجوز أن يغذى حتى ينقص (49) بدنه. وفي هذا ذكر من لا يجوز أن ينقص بدنه بالتعب حتى يغذى، وإذا لم يجز (50) أن ينقص بالتعب حتى يغذى، فبأن لا ينقص بغيره-كالدواء المسهل والفصد وغيرهما- أولى؛ وذلك هو الذي يريد به جوع. وظاهر أنه يريد به الجوع الصادق. ونقول: الجوع هو الإحساس B بالحاجة إلى الغذاء، فقد يكون الإحساس صادقا ويسمى ذلك الجوع الصادق، وقد يكون كاذبا ويسمى جوعا كاذبا. وسبب الجوع أن المعدة إذا خلت أحس (51) فيها بذلك الخلو، ويدغدغه السوداء المنصب إليها من الطحال، فإن الطحال جعل كالخزانة لأن يجتمع فيه قسط صالح من السوداء ليكون معدا (52) للتنبيه على شهوة الغذاء. كما أن المرارة كالخزانة لأن يجتمع فيه قسط صالح مثل الصفراء، ليكون معدا للاندفاع إلى الأمعاء، لينبه على إخراج الثفل، وليغسل المعا من الثفل والبلغم اللزج. ونقول: كان ينبغي أن يكون الجوع في جميع أعضاء البدن، لأن كل واحد منها (53) يحتاج إلى الغذاء عند الخلو عنه، إلا أنه لم يمكن أن تكون الأعضاء كلها حساسة، فجعل فم المعدة كالمتكفل للأعضاء كلها بذلك؛ فلذلك وجب أن يكون حسه قويا جدا، فلذلك وجب أن يكون عصبيا. وأقول: إذا كان بإنسان جوع، فلا ينبغي أن يتعب؛ لأن التعب تحليل A ومن به جوع فأعضاؤه خالية من الرطوبات، فيكون التعب سببا لتجفيف بدنه. وأقول غير التعب من أنواع الاستفراغات بطريق الأولى، لأنه أكثر إخراجا للرطوبات. وأقول هذا حكم الجوع من حيث هو جوع، وإلا قد يكون من الناس من ينبغي أن يتعبه على الجوع، وهو المفرط في الخصب.
[aphorism]
قال أبقراط: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة كثيرا، فإن ذلك يحدث مرضا، ويدل على ذلك برؤه.
[commentary]
Shafi 78