الشرح: إنما افتتح هذه المقالة بالكلام في النوم واليقظة، لأن المقصود من الطب هو حفظ الصحة وإزالة المرض، وذلك لا يكون إلا بالأسباب. وأهم ما يتكلم فيه من الأسباب هي الضرورية، وأهم ما يتكلم فيه الطبيب منها B هو ما يتناول، والاستفراغ، والاحتباس، والنوم واليقظة؛ لأن الأهوية يقل كلام الطبيب فيها جدا، لأن غالب البلدان المسكونة هواها صالح والتي هي منها هواها رديء فالناس قلما ينتقلون من بلادهم لأجل الهواء. وأما الحركة والسكون البدنيان والنفسيان فكأنهما من الأشياء الموافقة بالاضطرار ويقل كلام الأطباء في تقديرها، وخصوصا النفسانية. ثم قد مضى في المقالة الأولى الكلام في الأغذية وهو أعظم ما يتكلم فيه الأطباء مما يتناول وفي الاستفراغ، فوجب أن يتكلم في النوم واليقظة، والكلام فيهما أنهما: كيف يستعملان؟ وبأي مقدار؟ مما يقل كلام الأطباء فيه لأن الطبع يدعو (41) إلى المحتاج إليه من ذلك في غالب الأوقات، فتكلم في ذلك من جهة ما يستدل بهما، أي من جهة كونها (42) علامة. واستلزم ذلك بيان كونهما سببا. واعلم أن النوم في المرض منه ما هو نافع، كالنوم عند انحطاط المرض، أو وقت الراحة وخصوصا A إذا اتفق ذلك ليلا؛ وذلك لأن النوم تغور فيه الأرواح إلى داخل البدن، وتجتمع فتقوى القوى ويتدارك بذلك ما أوجبه المرض من الضعف. ومنه ما هو ضار كالنوم في انتهاء النوبة، ووجه ضرره أنه يغلظ المادة ويطول النوبة بمنع التحلل واحتقان الرطوبات؛ وإن كان في الأحشاء ورم زاد فيه، لتحريك المواد إلى جهته. وأضر من ذلك، النوم وقت تزيد النوبة؛ وأضر منه النوم في ابتدائها، فإنه يبلد حركة المادة جدا. وكذلك نوم النهار رديء، لأنه يمنع ما كان يتحلل باليقظة. فإذا كان النوم مطلقا يضر، فذلك من علامات الموت. أما الذي في ابتداء النوائب، فإذا كان الضرر أكثر من الضرر المتوقع عنه في العادة؛ وكذلك الذي في التزيد والانتهاء والنهار. وأما إذا كان ذلك الضرر مساويا للضرر المتوقع منه أو أقل منه، فلا يدل على الموت. وأما الذي في الانحطاط أو في الراحة فإن يوجد عنه ولو ضرر يسير. وإنما كان ذلك من علامات الموت لأن النوم Bتغور فيه الأرواح والقوى إلى داخل، فلابد ضرورة أن يصحبها شيء من رطوبات البدن، فيصحبها - لا محالة - من رطوبات المرض ولو اليسير؛ إلا أن الغؤور من القوى والأرواح يكون أكثر لا محالة، لأن ما غار من الرطوبات المرضية إنما يكون تابعا لغؤور الرطوبات الغريزية التابعة لغؤور الأرواح والقوى، لأن ذلك هو المقصود من النوم. ولاشك أن الدافع للمرض والمقاوم له هو القوى، فوجب أن يكون مطلق النوم ينفع لأنه يكون قد اجتمع من القوى شيء كثير مع شيء يسير من مادة المرض، فيكون استيلاؤها - لا محالة - أعظم كثيرا من وقت آخر. ولهذا ما يكون المرضى في أوائل النهار أحسن حالا، لأنه يكون قد تقدم لهم النوم الأطول. وأما الضرر الحاصل من النوم في أول النوائب أو في النهار وغير ذلك، فإنه لا لكونه نوما، بل لما يلزمه من أمر آخر. وإذا ثبت أن موجب النوم النفع، فإذا حصل منه ضرر، دل ذلك الضرر على انقهار القوى A تحت ذلك اليسير من مادة المرض. وإذا كان اليسير من مادة المرض مستوليا على الطبيعة حين اجتماعها وقوتها، فإذا التقيا وقت البحران وجب أن تكون مادة المرض بأجمعها قاهرة -لا محالة- للطبيعة قهرا تاما، وذلك يلزمه الموت. ويريد بقوله: وجعا: ضررا. ولذلك جعل في مقابلته النفع، فقال: وإذا كان النوم ينفع. وإذا عرفت هذا فأقول: إنه إن كان الضرر الحاصل بالنوم في الوقت الذي يكون فيه أنفع كوقت انحطاط النوبة، فلاشك أن دلالته على الموت أقوى. قوله: وإذا كان النوم ينفع، فليس ذلك من علامات الموت. لأن النوم ثبت أنه نافع، فنفعه لا يدل على الموت. وأما دلالته على الصلاح أو الصحة فإنما يكون إذا كان النفع أكثر من المتوقع منه في العادة، مع اشتراك الكل في أنه لا يدل على الموت.
[aphorism]
قال أبقراط: إذا سكن النوم اختلاط الذهن، فتلك علامة صالحة.
[commentary]
Shafi 66