Shahararrun Mata a Duniyar Musulmi

Cabd Caziz Amin Khanji d. 1450 AH
187

Shahararrun Mata a Duniyar Musulmi

شهيرات النساء في العالم الإسلامي

Nau'ikan

ما كانت تهتم بذلك قبل الآن وتسعى في إيقاظه من ذلك الخمول، فقد كان عاجزا خاملا لا يشعر بالحاجة إلى سؤال الوزراء عما يفعلونه أو يديرونه من الأمور.

لم يسبق لصبيحة أن اهتمت بشأن ذلك العاجز المسكين وأن ترجع إليه في الشئون الخطيرة، أما الآن فإنها تشعر بعد أن وقعت الواقعة ورأت اقتراب العاصفة التي تكاد تقتلع عرش ابنها أنه محتم عليها أن توقظ هشاما من غفلته العميقة، وقد تم لها ما أرادت فسعت في تنفيذ خطتها سرا دون أن تدع محمدا المنصور يعلم؛ فإنها كانت تذهب صباح كل يوم لزيارة ابنها في غرفته الخاصة وتورد له الأحاديث الطويلة والمباحث المهمة لتزيل ما على قلبه الغافل من صدأ العطالة والخمود.

تعبت في سبيل غرضها وسهرت الليالي الطوال ترتب الدروس المؤثرة التي تحرك النشاط في هذا الدماغ العاطل، فشقت وتألمت وكدت، لكن مساعيها أثمرت وظهرت لها نتائج خطيرة ذات بال، فقد حدثت معجزة في بيت الزهراء؛ استيقظ هشام من نومه، استيقظ الخليفة المنهمك في أذواقه من تلك الغفلة، دبت في نفسه عوامل الحياة وأراد أن يدخل المعترك ويشترك في الحكم وأن يفهم ويشعر وتكون له إرادة وسلطان.

استمرت صبيحة تلقي على ابنها دروس الانتباه واليقظة حتى استفاق من سبات غفلته وتذوق طعم الرياسة وحلاوة الأمر والنهي بدرجة استرعت أنظار الملتفين حوله بما فيهم المنصور، وهو أكثرهم دهشة وأشدهم حيرة، وقد علم أن هذه المعجزة الباهرة إنما هي أثر من آثار صبيحة.

صار الخليفة الآن يشدد النكير ويبحث وينقب ويطلب الإيضاحات اللازمة عن حساب بيت المال، ويوجه إلى المنصور أسئلة دقيقة ما كانت لتخطر له ببال حتى انتهى به الأمر إلى أن يعامله بفتور وبرود.

لم يكلف المنصور نفسه عناء البحث عن سبب ذلك، كيف يسأل عن السبب وهو لا يرى مولاه الخليفة ولا يتقابل به إلا بحضور والدته صبيحة؟ أظلمت الدنيا في وجهه وشرع يتلمس سبيلا لمقاومة الخطر، فصال صولة في ميدان الكفاح انتهت بطرد وإبعاد بعض من اشتبه في إخلاصهم من موظفي قصر الزهراء، ولقد غضبت صبيحة لهذه الصدمة غضبة مضرية، كانت سببا في اشتداد عزيمتها وزيادة همتها، فأعملت فكرها لتنتقم لنفسها من هذا الغريم الشديد البأس واهتدت أخيرا إلى فكرة سديدة، فاستدعت بعض عبيدها المحررين وكلفتهم بالتوجه إلى جهات مختلفة من الأندلس وإفريقية ومراكش لإفهام الشعب بمركز خليفتهم وإذاعة خبر ضعفه وطموح المنصور إلى مقام الخلافة، فراجت إشاعتهم وانتشرت في طول البلاد وعرضها، ومنها علم الناس أن خليفتهم واقع في أسر ظلم معنوي وأنه راغب في التخلص من هذه القيود ليحكم شعبه على سنن العدل ومناهج الإنصاف لولا حيلولة المنصور بينه وبين ما يريد.

أدى رجال صبيحة ما كلفتهم به بأمانة وإخلاص؛ فاجتازوا جبل طارق إلى إفريقية وتمكنوا من اكتساب مودة ومظاهرة والي مراكش لهم، وهو يومئذ زبري بن عطية الشهير زعيم قبيلة الزبرين، وما كاد يسمع بهذه الحوادث ويعلم أن الخليفة تحت أسر المنصور واستبداده المعنوي، حتى احتدم غيظا وشرع في تجريد قوة من رجاله ليرفع لواء العصيان والتمرد في وجه المنصور؛ انتصارا لخليفة البلاد، ولكن كان يعوزه المال لتنفيذ العمل، فسرت صبيحة بهذه النتيجة وبادرت بإسعافه.

كانت خزينة الدولة في دائرة خاصة داخل قصر الزهراء وبها من الأموال ما يقدر بنحو ستة ملايين دينار، فسحبت الأميرة من المال مبلغا قدره ثمانون ألف دينار وضعته في مائة جرة مختومة أفمامها بالعسل دفعا للظنون والشبهات، ودفعت هذه الجرار إلى رجال أمناء لتوصيلها إلى مكان معين؛ وبذلك تمكنت من إيصال المال إلى مراكش بأمان وسلام.

كانت صبيحة تعلم قدر والي مراكش، وتعلم أنه الرجل الوحيد الذي يستطيع مقاومة عدوها المنصور، وبذلك لم تأل جهدا في مساعدته، على أن خبر هذه المساعدة اتصلت بمسامع المنصور، فأفرغ في روعه؛ لأنه لم يتوقع حدوثها، وكأني به يقول: هل للخليفة علم بذلك؟ وإلا كيف تمكن وأخرج المال من أبواب القصر؟ اشتدت حيرته واضطرمت أحشاؤه بنيران الغيظ والكمد، وأصبح ينظر إلى أفق المستقبل فيراه متلبدا بسحب الأكدار وغيوم الاضطرابات، فهل هو الآن أمام عاصفة قريبة تقتلعه من مركزه؟ كل هذه أمور فكر المنصور فيها مليا، وبعد طول البحث وإجهاد الفكر استدعى وزراء الحكومة ووكلاء الدولة لمجلس عام عقده في قصره، حيث أبلغهم بحدوث سرقة مبالغ كبيرة من مال الدولة، وأنه علم بعد البحث والتنقيب أن السرقة تمت بدلالة نساء من قصر الخليفة، وعلى أثر دهشة الوزراء بذلك اقترح عليهم نقل الخزينة إلى دائرة أخرى بعيدة عن مكانها الحالي فأقره المجتمعون على ذلك، وبينما كان الرجال المكلفون بتنفيذ الاقتراح على وشك نقل الأموال المودعة بالخزينة، دخلت عليهم صبيحة وصاحت فيهم تقول: «ما هذه الجرأة؟ كيف تقدمون على ارتكاب مثل هذا الأمر دون إذن الخليفة، إنني آمركم ألا تمسوا الخزينة؛ لأنه غير راض عن نقلها إلى مكان آخر.»

لم يجد أتباع المنصور بدا من إطاعة الأمر، أما الملك الكريم - أي المنصور - فاشتدت حيرته وزادت همومه حينما بلغه الأمر، ولكنه كتمه في أعماق نفسه مكرها مرغما، وإلا فما الذي يستطيعه؟ وكيف يخالف أمر الخليفة جهارا ويرفع لواء العصيان في ظروف قاسية لا تسمح بأدنى خلاف بينه وبين العرش، لا سيما وقد طرقت مسامعه الإشاعات التي اجتهدت صبيحة في ترويجها بين عموم الشعب؟

Shafi da ba'a sani ba