Shahararrun Mata a Duniyar Musulmi
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Nau'ikan
الجزء الأول
إهداء الكتاب
مقدمة
كلمة الأميرة
السيدة خديجة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
Shafi da ba'a sani ba
الفصل السادس
السيدة عائشة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
Shafi da ba'a sani ba
العباسة بنت المهدي
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الملكة عصمة الدين شجرة الدر
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الجزء الثاني
كلمة
سيدة النساء
الفصل الأول
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
تاج الرجال
الفصل الأول
الخنساء
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الرابع
أميرة المؤمنين زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
Shafi da ba'a sani ba
الأميرة صبيحة ملكة قرطبة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
Shafi da ba'a sani ba
الخاتمة
الجزء الأول
إهداء الكتاب
مقدمة
كلمة الأميرة
السيدة خديجة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الخامس
الفصل السادس
السيدة عائشة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثامن
العباسة بنت المهدي
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
Shafi da ba'a sani ba
الملكة عصمة الدين شجرة الدر
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الجزء الثاني
كلمة
سيدة النساء
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
تاج الرجال
الفصل الأول
الخنساء
الفصل الأول
الفصل الثاني
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثالث
الفصل الرابع
أميرة المؤمنين زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
Shafi da ba'a sani ba
الفصل الثامن
الأميرة صبيحة ملكة قرطبة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
Shafi da ba'a sani ba
الفصل التاسع
الخاتمة
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
تأليف
قدرية حسين
ترجمة
عبد العزيز أمين الخانجي
الجزء الأول
إهداء الكتاب
Shafi da ba'a sani ba
إلى حضرة صاحب العزة شريف بك صبري مدير عموم البلديات
مولاي
هذا كتاب جمع حوادث بعض الشهيرات من نساء السلف مما جادت به قريحة صاحبة السمو الأميرة الجليلة قدرية حسين، وفقني الله إلى إتمام تعريبه ونشره في عهد إدارتكم ورعايتكم لقسم البلديات الذي شرفتني الأيام بأن أكون عاملا من عماله وجنديا من جنوده، فكان من الحق أن أتشرف بإهدائه إلى مقامكم الكريم، لا مزدلفا ولا راغبا في نوال أو عطاء، وإنما مدفوعا بعاملي التقدير والإخلاص.
المعرب
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الهادي إلى سواء القصد، وباسم أنبيائه المرسلين والهداة المخلصين وطلاب الاستقلال والحرية المجاهدين في كل عصر ومصر، أتقدم إلى قراء العربية في مصرنا المحبوبة وفي الأمصار العربية الأخرى بهذا الكتاب الذي وفقني الله إلى تعريبه، وأنا قبل كل شيء لا أجد مناصا من الاعتراف بتشجيع المشجعين من أبناء قومي عندما أقدمت على ترجمة رسائل الأميرة قدرية حسين، أمد الله حياتها ومتع العالم الشرقي بثمار أفكارها، ولولا ثقتي بتقديرهم لمجهود هذا العاجز الضعيف وعطفهم عليه في جميع ما ترجمه لما أقدمت على هذا العمل الذي أظنني دونه.
وما أظنني في حاجة إلى أن أعرف قراء هذا الكتاب عن مؤلفته وسابق جهودها وفضلها، فما هي بالسيدة المجهولة عندهم، وتاريخ حياتها الأدبية معلوم مشهور لدى الناس أجمعين.
الأميرة قدرية حسين كاتبة تتمشى في كتابتها مع روح العصر، مع كثير من التربية الدينية الشرقية، وهي تشترك في مجهوداتها مع روح الديمقراطية الإسلامية الحديثة، يتبين ذلك من خواطرها ومن مقالاتها ورسالاتها التي كان لقراء العربية نصيب وافر مما عربته لهم، وهي تكتب باللغتين اللتين تحسنهما: التركية والفرنسية، وتكاد لا تعلن عما تكتب إلا إذا تنبه له بعض الأدباء.
ويقضي علي واجب الأدب أن أذكر أن المرحوم ولي الدين بك يكن كان في مقدمة الذين تنبهوا إلى رسائلها القيمة، فعرب لها كتاب خواطرها «نه لرم» وأسماء «ما هو وما هي»، غير أنه لم يطبع، وكنت إذ ذاك ملازما للخزانة الزكية، أمد الله في حياة صاحبها أستاذي البحاثة سعادة أحمد زكي باشا، فعثرت بين نفائسها على طائفة صالحة من كتب سمو الأميرة، وبادرت إلى تعريب خواطرها دون أن أعرف أن المرحوم ولي الدين بك يكن سبقني إلى ذلك.
Shafi da ba'a sani ba
وقد كان سعادة زكي باشا من أول المشجعين لي على المضي في تعريب كتب الأميرة رغبة في نشر مآثر الأمراء والأميرات من البيت الملكي الكريم، وإننا لنسجل هنا بيد الفخار والإعجاب خطبته التي ألقاها على أعضاء المجمع العلمي المصري في شهر رجب عام 1340 الموافق مارس 1922، فإنها خير كلمة نصدر بها مثل هذا الكتاب وسيراها القارئ بعد كلمة الأميرة، وفقنا الله جميعا إلى ما فيه خير البلاد.
القاهرة، في 11 ربيع الأول سنة 1343
عبد العزيز أمين الخانجي
كلمة الأميرة
اجتمعنا معشر أهل التوحيد تحت اللواء المحمدي المبارك، نازلين عند قوله - عز وجل:
إنما المؤمنون إخوة ، فرفعنا ستور الجنسية وأزلنا حوائل القومية، فأصبحنا جميعا منذ ذلك اليوم بنعمة الله إخوانا، أسرة واحدة، تجمعهم فكرة واحدة، فما أجمل هذا النداء الإلهي الذي ضمن لنا السلام والوئام.
أميزنا عند الله أكثرنا استقامة لقوله الجليل:
إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، فيا لله من جمال هذا الدستور الذي يغري الأمة بمكارم الأخلاق!
البلاد الآهلة بالإسلام هي وطننا الديني، والعلم الأخضر ذو الهلال والنجوم الثلاث هو لواؤنا الملي، لنا ماض مجيد ينحدر حتى أعماق أربعة عشر عصرا، ولنا تاريخ مملوء بالعظائم، وقد كانت لنا حضارة تزري بحضارة الرومان، ولنا ذكريات طيبة تبعث في النفس الطمأنينة، مضت علينا أيام رأينا فيها شمس المعارف تشرق في ديارنا، فأبصرنا بنور العلم ما حولنا ووقفنا بقدرة الفن على كل حال وشأن لنا، فيا للسعادة!
لم نثبت في موقفنا، لم نتمسك بأهداب العلم، تلك فرصة سنحت لم نقتنصها، فيا للحسرة!
Shafi da ba'a sani ba
غربت شمس المعارف في شرقنا وبزغت في غربهم، فأمسينا في ظلام دامس وعشيت أبصارنا عن ماضينا حتى كدنا ننسى تاريخنا المجيد، فيا للأسف!
تعكس مرآة ماضينا صورا شتى لرجال التاريخ ولعظائم الأعمال عندنا كما تشهد بذلك الآثار الباقية في أيدينا مما هو محفوظ في مكاتب الشرق والغرب؛ فالأسفار مشحونة بذكر عظمائنا وحوادث أيامهم ووقائع أزمانهم، وفي نشر تلك الوقائع وعرضها على أنظار القوم عظة بالغة وعبرة فائقة، يرينا كيف كان حالنا وما صرنا إليه في يومنا!
لا أريد لقومي أن ينظروا إلى الغرب نظرة سطحية تريهم الأشياء على غير حقيقتها كمن يرى الأشباح البعيدة عنه على غير حجمها الطبيعي، لا أرى لقومي أن يروا في الغرب كل شيء مستسلمين إليه في كل شأن، بل أردت أن أذكرهم بمجدهم السالف وعظمتهم الماضية وأن يعتقدوا بأن حق تحصيل العلوم لا يسقط بمضي الزمن، أردت لهم كل ذلك ليتشبهوا بعظماء الرجال من ماضيهم الزاهي المشرق، فإنهم بذلك يجلون أنفسهم ويرفعون من قدر ذواتهم ويتذوقون معنى الحياة.
بهذا الدافع الإنساني قام في ذهني أن أجمع حوادث الشهيرات من نساء السلف وتراجم أحوالهن، مستعينة على ذلك بالمآخذ المهمة والمراجع الموثوق بها، فأوصلني البحث إلى تراجم أحوال الكثيرات من النساء ممن اشتهرن بالفضل والكمال في أصقاع مختلفة من البلدان الإسلامية، سواء من العرب أم من الترك أو الهند أو جاوة أو العجم إلى غير ذلك.
لا بد للإنسان أن يجني ثمار ما يبذره من بذور الخير إن قليلا وإن كثيرا، وقد يصل إلى ما يريد بالجد والسعي. بهذه الروح، داومت تتبعاتي وأبحاثي حتى صيرني البحث والاستقراء إلى وقائع ذات بال لنساء كن مثال الفضيلة، جديرات بالتقدير، لعبن أدوارا هامة في التاريخ الإسلامي، وسيكون هذا الجزء - هو أول الأجزاء - بمثابة مقدمة مباركة للأجزاء الأخرى التي عزمت على إصدارها، اثنتان من بطلات هذا الجزء من أمهات المؤمنين وهما: والدتانا السيدتان خديجة الكبرى وعائشة الصديقة، رضي الله عنهما، زوجتا الرسول
صلى الله عليه وسلم ، فخر الكائنات، توجت بهما هذا الجزء تبركا وتيمنا بسيرتهما الطاهرة؛ ولأن لهما حق التقدم على غيرهما من كل الوجوه.
الثالثة: بنت خليفة وأخت خليفة، وأعني بها العباسة بنت المنصور وأخت الرشيد. والرابعة: أول ملكة في الإسلام، وأعني بها الملكة المصرية شجرة الدر، تلك التي قرئ اسمها على المنابر في خطب صلوات الجمعة؛ فهذا الأثر الذي شرعت في إنجازه مدفوعة بعامل الخير قد تم لغاية حميدة، وما أطلبه من الجزاء أن يكون له بعض الأثر في نفس أمتي. ومن الله التوفيق.
صفحة من مظاهر العبقرية1 العلمية في مصر
بقلم أحمد زكي باشا
لما كنت من أعضاء العائلة المصرية الكبرى ومن أعضاء هذا المجمع العلمي المصري الجليل؛ فإنني بهذين الوصفين أشعر في هذه الساعة بارتياح يخالج نفسي وبابتهاج يتملك وجداني، هاتان العاطفتان تدفعان بي إلى تحية وتهنئة الأمراء الصميمين الذين تحدوهم عبقريتهم إلى استخدام ما آتاهم الله من وسائل شخصية، وإلى استثمار مواهبهم الخاصة ليجعلوا أنفسهم أيضا من أمراء العلم والعرفان.
Shafi da ba'a sani ba
لا جرم أنهم، إذا سلكوا هذه الجادة، يعيدون لنا تلك السيرة المجيدة التي امتاز بها الشرق في عصره الذهبي، ويكون من ورائها أكبر الخيرات وأعم البركات لذياكم الشرق في إبان نهضته الحاضرة.
نعم، فقد امتازت دول العرب والإسلام بطابع خاص، وهو أن الخلفاء والملوك وأركان بيوتاتهم وأمراء حكوماتهم كانوا أولا وقبل كل شيء من الشعراء المجيدين، وثانيا وعلى الأخص من العلماء المبرزين والفنانين المبدعين، ومنهم فوق ذلك من يزداد ارتفاعه في بعض الأحيان بتنازله لممارسة الصنائع اليدوية حتى يحذقها ويبرع فيها. هكذا ارتقت طبقات الأمم الإسلامية في مختلف الديار والبقاع حتى وصلت إلى المثل الأعلى الذي يحدثنا عنه التاريخ بما فيه من العجب العجاب، ولو شئت أن أسرد بعض الأسماء التي تتوارد على صدري وتتجارى في خاطري لطال المقال وضاق المجال ولرأيتم المطربات المرقصات مما طلبه لنا سادات الشرق في أيام عزه واستقلاله بأمره من مجالي المفاخر وغرر الآثار، بيد أن المقام لا يحتمل الجولان في هذا الميدان؛ لذلك سأثب أمامكم وثبة بعيدة المدى بحيث تترك ورائي تسعة قرون كوامل، وأقف بكم لحظة واحدة في دائرة مدينة واحدة هي هذه المدينة الجميلة التي ازدهرت فيها الحضارة العربية على عهد الفاطميين وبني أيوب والمماليك والخديويين، فأبعث بتحية ممزوجة بخالص الاحترام والإجلال إلى روح السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري؛ تحية يرسلها أحد الأحياء الآن إلى رجل فارق الدنيا منذ نيف وأربعة قرون، تحية تحدوني إليها في هذا المقام ثلاثة عوامل من الاعتبارات، في كل منها عبرة وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فأما أولها: فلأن السلطان الغوري قد أحسن إلى القاهرة بإقامة أثر مجيد له مكانة فاخرة بين العمائر الأثرية الوطنية، بل هو بمثابة الدرة اليتيمة في فن العمارة العربية البديع، بل هو محراب لشتيت الفنون الجميلة في الإسلام، ذلك المحراب هي المدرسة المعروفة الآن بقبة الغوري، وهو الذي انتهت إلى القرار فيه خزانتي الزكية التي جمعت فيها طائفة كبيرة مما أنتجته العقول والقرائح في مضمار الآداب العربية وحضارة الإسلام، تلك الخزانة التي وفقني الله لوقفها على أبناء وطني وطلاب العلم أيا كانوا، وأصبحت لا نصيب لي فيها سوى ما يكون لأي فرد من أبناء الأمة المصرية وخادمي المعارف على الإطلاق، وكان الفضل في الوصول بها في خاتمة المطاف إلى هذا المحراب لصاحبي الدولة رشدي باشا وعدلي باشا، هنالك ألقت عصاها واستقر بها النوى، وأصبحت - والحمد لله - في أمان من عادية الزمان وعبث الإنسان.
جلالة الملك فؤاد الأول: صاحب الفضل الأكبر على النهضة العلمية الحديثة في مصر.
هذا، وقد كان الغوري الذي بلغ الثمانين من رجالات العلم والأدب، نعم، كان من أهل الدراية والعرفان بكل معنى الكلمة وبكل ما ينطوي تحت هذا الوصف من المرامي والمقاصد؛ ذلك أنني منذ عشر من السنين أسعدني الحظ فاكتشفت لهذا السلطان المصري تأليفا في النسب النبوي الشريف، مرتبا على أسلوب فني بديع ومرقوما بطريقة هي آية في حسن الصنعة والجمال، عثرت عليه في الخزانة الشاهانية العثمانية بسراي طوب قبو بالقسطنطينية، فسارعت لنقله بالتصوير الشمسي، ولا تزال زجاجاته السلبية محفوظة بخزانتي الزكية ومعها صورة السيف الذي كان يتقلده السلطان الشجاع وهو غير المحفوظ بدار الآثار العربية.
نعم، إن هذا التأليف الصغير لا يكفي للإشاعة بذكر الرجل وجعله في مصاف العلماء ولا للتنويه به وإطراء عمله في ندوة مثل المجمع العلمي المصري، لولا أنه أنشأ في القاهرة أيضا مجمعا علميا كان نسيج وحده وفريدا في نوعه، ولا يزال كذلك على ما أظن، لقد كان ذلك المجمع متنقلا؛ فيعقد جلساته تارة في القصر وتارات في المدينة، أعني في إحدى القاعات المفتخرة التي كانت تزدان بها القصور السلطانية في قلعة الجبل أو في الساحات المقصورة على مدارسة العلم بهذا المسجد أو بذياك الجامع بين أرجاء القاهرة، وكان الغوري - سقى الله عهده وطيب ثراه - يشترك في الجلسات بصفة عضو بسيط من أعضاء ذلك المجمع العلمي المصري البحت المحت المحض، ويساجل زملاءه من علماء الأمة ورجالاتها في المناقشات ويبادلهم الآراء في مختلف المسائل والمعضلات، إنني لا ألقي الكلام على عواهنه ولا أرسله جزافا، بل ها هي محاضر ذلك المجمع شاهد عدل على صدق ما أقول، فقد نقلتها بالتصوير الشمسي بالطريقة الإيجابية في جزأين ضخمين أحضرتهما إلى دار الكتب، وهي تحدث الباحث والمسترشد بما كان للبراعة المصرية من الخطر العظيم قبيل انطفاء نبراسها ودخولها في خبر كان.
محمد علي الكبير: مجدد مصر الحديثة ومعيد الحياة إليها.
ذلك أن الجد العاثر قضى بأن يكون السلطان الغوري - رحمه الله - آخر ممثل للاستقلال المصري؛ إذ بعد سقوط دولته «التي انقرضت معها تلك الإمبراطورية العظمى التي شادها المماليك الأمجاد» خيم الظلام على مصر وعلى ساكني مصر، فتوالى على بلادنا بحور مثلث من الجهالة والانحطاط والانحلال مدة ثلاثة قرون طوال، فقد خسرنا كل شيء: المكانة السياسية، والرخاء المتجري والوحدة القومية، انطمست معالم العلم ومعاهد الأدب ورسوم الفنون ودور الصناعات؛ فلقد سبى الفاتح العثماني جميع علمائنا وفنانينا وكتابنا وشعرائنا وصناعنا وأعياننا وكل من كانت حيثيته ظاهرة وشخصيته بارزة من بياض الناس، وقادهم وراءه إلى القسطنطينية في أغلال الأسر وقيود الاستعباد.
مصاب لو حل بأمة أخرى لبادت أو كادت، ولكن الروح المصرية، روح الفراعنة، روح العرب لم تمت ، وهي لن تموت! نعم قد تولاها فتور أعقبه همود فخمود فجمود؛ ففي ثنايا هذا السبات العميق الطويل، كانت السريرة القومية يعتريها شيء من التشنج فتنتفض حينا من الدهر فتتنبه ثم تتيقظ، يدب فيها شيء من عوامل الحياة أو شيء يقرب من مظاهر الحياة، ولكن إلى أمد قصير، ثم تعود إلى الرقود؛ فقد يتاح لمصر من الطواغيت - وهم لعمري قليل - من يمنحه الله شيئا من الفطانة والرصانة فيعملون على إذكاء القريحة المصرية، حينئذ نرى النيل وواديه يستنيران بشعلة ضئيلة من النور أو قبس خفاق من النار، ولكن هذا اللهيب لا يلبث أن يعتوره الانطفاء، وإن كان على كل حال يبعث وميضا من البوارق النورانية في تلك الليلة الليلاء التي دامت ثلاثة قرون، فنرى في خلالها مشاهد وقتية تتجلى فيها اليقظة القومية.
على هذا المنوال ازدانت القاهرة بالجامع البديع الذي شيده محمد بك أبو الذهب بالقرب من الأزهر ووضع فيه خزانة كتب حافلة قد أخنى عليها الدهر فتفرقت شذر مذر، وذهبت بها العوادي فلم يبق لها أثر، اللهم إلا مجموعة الخشيبات التي لم يكن في الإمكان اختلاسها إلا بعد تفكيكها بحيث لا تعود منها فائدة لغاصب أو مسترق. وبهذه المثابة تجلت اليقظة الوطنية في مصر مرة أخرى وأخيرة في أيام الأمير رضوان الكبير صاحب القصبة المعروفة باسمه إلى هذا العهد، وهي التي لا تزال الخيام والستور تصنع فيها على الطراز العربي الآخذ بالأبصار، ذلك الأمير - رضي الله عنه - كان ممن يجلون الأدب وأهله ويعرفون قيمة العلم ويغدقون النعم على أربابه؛ فقامت سوق المعارف في حكومته ثم انقضت بعد ذهابه إلى ربه موفور الحسنات، راضيا عنه.
Shafi da ba'a sani ba
هاتان هما البارقتان الوحيدتان اللتان أذكرهما الآن في خلال ذلك الرقاد الطويل، وفيما خلاهما توالى ديجور الظلام الكافر.
لاح نجم جديد فاستضاءت به الآفاق وانتعشت بمرآه الأرواح والأبصار، ظهر محمد علي الكبير، هو أحق إنسان بأن يوصف بأنه مجدد مصر الحديثة ومعيد الحياة إليها، إذا ذكرنا اسمه خطر على البال توا اسم أحمد بن طولون واسم يوسف صلاح الدين: ثالوث مجيد كان له الفضل وإليه يرجع الفخار من إقالة مصر الإسلامية من عثرتها، لم يكن محمد علي إلا رجل عمل مع أمية لازمته إلى ما قبل وفاته بقليل من الأعوام؛ فهو الذي زين مصر منذ مائة وأربعين من السنين بتلكم المعاهد العلمية التي قضى الجد العاثر بأن يصبح أكثرها الآن وهو في حيز العدم، وا أسفاه!
نعم، لم يكن محمد علي من لفيف العلماء ولكنه أحسن إلى مصر بما هو خير وبما هو أكثر مما أتحفها به من سبقه على الأريكة من الملوك العلماء؛ كان - سقى الله عهده - يقرب أبناء مصر ويخصهم بكرامته ورعايته ويغدق عليهم العطايا والإنعامات، كان يتعهد بنفسه تربية القريحة المصرية ويستثير النبوغ الوطني، نعم، كان يستثير النبوغ الوطني؛ فمن ذلك أنه كان دائما يختار رجلا من أبناء البلاد لوظيفته ويضع واحدا منهم بجانب أستاذ من كبار الأساتذة الذين يستقدمهم من الخارج لبث العلوم الحديثة والمعارف العصرية على ضفاف النيل، ثم يخايل لأولئك المعيدين بما يعده لهم من لوائح الكرامة الموفورة والحظوظ الممتعة أو من وسائل التنكر والإرهاب؛ لكي يخلفوا بحق واستحقاق أولئك الأساتذة الأغراب الذين قد أغراهم بالهيل والهيلمان إلى الوفود على ساحته، ولكن إلى زمن موقوت وإلى ميعاد معين معلوم، فكان بهذا الأسلوب ذي الحدين أكبر معوان على تقدم التعليم الأهلي وباللغة العربية، والشواهد حاضرة في الأذهان فلا حاجة للإطالة بذكرها.
إنني أكرر القول وأعيده بأن محمد علي لم يكن من العلماء، لكنه أنجب لمصر بطلا قوميا تباهي به الأمم وتثبت لهم أنها أهل لإحراز المعالي في جميع ميادين الحياة الحرة، وأعني به القائد الأكبر الأفخر إبراهيم باشا الذي طبقت شهرته الآفاق، والذي فاق أبونا رفاعة بك رافع في مدح أبيه الأمجد حيث قال:
في كفه سيفان سيف عناية
والشهم إبراهيم سيف ثاني
نحن لا يعنينا الآن الإشارة إلى ما جناه إبراهيم من ثمر الوقائع اليانع بالنصر من ورق الحديد الأخضر، وإنما نذكر ما يناسب موضوعنا من أن هذا الجندي الباسل كان أيضا في طليعة كتيبة العلماء المحققين، وأنه كان من أفرادها المستنيرين الذين دلههم حب الكتب والغرام بها؛ فلقد جمع في أسفاره الكثيرة شيئا كثيرا من الأسفار النفيسة عربية وتركية وفارسية، وكان على كل سرخد كل واحد من هؤلاء المحابيب هذه العبارة: «ملك ولي النعم الحاج إبراهيم باشا، سرعسكر إلخ، أو والي جدة إلخ»، أو غير ذلك من الألقاب، بحسب المناصب والأوقات، لكن الجد العاثر والحماقة قضيا بأن ورثته المباشرين آثروا أن يحتفظوا بما خلفه من الفدادين وأن يتخلصوا بثمن بخس دراهم معدودة من تلك الكنوز التي أثرتها القرائح والأفهام، فتفرقت هذه المجموعة النفيسة شذر مذر، بل طارت على أجنة الرياح الأربع.
القائد الأكبر الأفخر إبراهيم باشا.
تلك الجناية تجددت مع الأسف مرة ثانية في حضن القاهرة منذ خمس عشرة سنة تقريبا على أثر وفاة المأسوف على شبابه الأمير محمد إبراهيم.
وقد لاذت طائفة من كل هاتين المجموعتين بدار الكتب السلطانية في القاهرة وبالمكتبة البلدية في الإسكندرية، ودخل بعضها في حرز صاحب هذه الصحيفة وفي أمان صاحبه المفضال وصديقه الجليل أحمد تيمور باشا، وذهب الكثير إلى الخارج جريا على السنة التعيسة التي قضى بها الجد العاثر على ما كان في مصر المستقلة من خزائن الكتب العامة والخاصة، وما كان أكثرهما!
Shafi da ba'a sani ba