Shahararrun Mata a Duniyar Musulmi
شهيرات النساء في العالم الإسلامي
Nau'ikan
فخجل حسان من محاجتها وخرج من المجلس غاضبا كئيبا.
كان من عادة العرب أن يجتمع شعراؤها في سوق عكاظ للمباراة في إجادة الأقوال وسبك المعاني، وكان ينصب للنابغة الذبياني قبة حمراء يجتمع تحتها كل شاعر مجيد وكل بليغ عتيد وخطيب منطيق، فيطلقون العنان لبنات الأفكار وينثرون على بساط المباراة درر الألفاظ وغوالي الحكم، فمن نال قصب السبق وحكم له بالتفوق والإجادة تكتب قصيدته على طروس من الحرير تعلق على أستار الكعبة؛ ومن أجل ذلك فإن لأصحاب المعلقات مكانة رفيعة ومنزلة سامية بين الشعراء وفحول أصحاب القول والحكمة؛ لأن معلقاتهم من أجود القول وأحكمه.
كانت العرب تعبد البلاغة، فأوصلتهم عبادتها إلى مراتب الكمال في التوسع اللغوي، حتى لقد أصبح قول الشعر سليقة لهم ينطق بها صغيرهم وكبيرهم، وأصبحت الكلمة الطيبة تعمل في النفوس فعل السحر بالألباب.
كانت المعاني الجميلة والألفاظ البديعة والأقوال الحكيمة من مزايا تلك الحياة البدوية الصافية، حتى ليقال: إن أعرابيا وصل ذات يوم إلى مكة المكرمة فحث مطيته نحو رهط من الناس مجتمعين في حلقة، مطرقين ينصتون لرجل يقرأ عليهم قولا بليغا، فنزل عن ناقته وجلس ينصت معهم، وما كادت بعض الأقوال تتغلغل إلى نفسه حتى قام من فوره فسجد سجدة طويلة، وعندما انتهره القوم متسائلين عن فعلته أجابهم: «إنما سجدت لفصاحة هذا الشيء الذي تقرءونه.» فقالوا له: «ما هذا كلام بشر وإنما هو كلام الله - عز وجل.» فأجاب: «إذن لأسلمن معكم.»
كانت الخنساء تحضر سوق عكاظ وتعرض شعرها النفيس في ميدان المباراة تحت تلك القبة الحمراء، وقد قرأت ذات يوم قصيدة بليغة نالت استحسان الجميع وإعجابهم، فأشار النابغة إلى الأعشى الواقف أمامها وقال: «لولا أن أبا بصير أنشدني آنفا لقلت: إنك أشعر منه.»
فهذه الخنساء عرفناها شاعرة جليلة من شعراء الطبقة الأولى المشهورين بالإجادة والتفوق ولها ديوان جليل. •••
ها نحن أجملنا لك صحيفة بيضاء من تاريخ العظائم، صحيفة امرأة مستثناة، أحرزت في الحياة موقعا رفيعا يختلف كثيرا عن مواقع من عاصرها من سيدات ورجال.
الخنساء سيدة جليلة، ووالدة كريمة، وشاعرة عزيزة، نافست في عالم الأدب فنالت قصب السبق، وناضلت في ميادين القتال لإعلاء كلمة الإسلام فحازت القدح المعلى، ولا ندري بأي مزية من هذه المزايا نذكرها ولا بأي مفخرة من هذه المفاخر نشهرها.
عاشت أعواما كثيرة بعد وقعة القادسية وماتت أيام خلافة معاوية في العام الخمسين من الهجرة وعمرها سبعون سنة، وقد أجمعت كتب التاريخ أنها ماتت في البادية.
كيف قضت أنفاسها الأخيرة وأودعت آخر نسمة من نسمات الحياة، أكانت وقتئذ عائدة من أحد منتديات الشعر والأدب تتوكأ على عصاها المعروفة؟ أم أسلمت الحياة في خيمتها وهي مستسلمة إلى أحضان الماضي وذكريات الشباب؟ أم كانت إذ ذاك تحدد النظر في منظر غروب الشمس في يوم قائظ وقد خيل إليها أن تشبع الروح وتملأ العين بتلك النظرة الأخيرة في فضاء الصحراء المترامية الأطراف والبوادي الشاسعة التي لا تقع العين منها إلا على سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء وهي تردد مع أنفاسها الأخيرة قولها في أخيها:
Shafi da ba'a sani ba