ولما علم الخليفة بأن منزلي قد تم بناؤه أرسل إلي جارية، وقال لي سعد الله إنها جاءت متلففة، وإنها قاعدة تنتظرني، فأمرت سعد الله بأن يشعل مصباحا ويرشدني إليها ففعل، ووجدت المسكينة راقدة على حصير، وسألتها عن ماضي حياتها فأخبرتني بصوت مشئوم أنها من النوبارية، وكانت تنتمي إلى قبيلة في جنوبي كردوفان، وأنها سبيت وأرسلت إلى بيت المال فبقيت هناك إلى أن أرسلها إلي حمد واد سليمان، وكانت وهي تتكلم قد رفعت ما على رأسها من الأقمشة المعطرة التي كانت متلففة بها، فبدا لي وجهها وكتفاها وصدرها.
وأشرت إلى سعد الله بأن يقرب المصباح منها، ثم رأيت عندئذ أني في حاجة إلى أن أعبئ جميع قوتي لكي لا أرعب وأقع من العنجريب؛ فقد كان لها وجه دميم تطل منه عينان صغيرتان، وكان أنفها عظيما مفرطحا، تحته فم له شفتان غليظتان تكاد أن تبلغان أذنيها عندما تضحك، وكان رأسها يرتكز على عنق غليظ أشبه بعنق الكلاب التي من سلالة «البول دوج»، وكان اسم هذه المخلوقة مريم، فأمرت سعد الله بأن يأخذها بعيدا عني ويعطيها عنجريبا.
فهذه إذن هي أولى هدايا الخليفة لي، وهو لم يهد إلي حمارا أو فرسا أو بضعة نقود أستعين بها، ولكنه أرسل لي جارية دميمة لا أرتاح إلى وجودها، وهي لو كانت جميلة لما قدرت على القيام بتكاليفها.
ولما ذهبت في اليوم التالي سألني هل أرسل لي حمد واد سليمان جارية؟ فقلت: «أجل، لقد أنفذ أوامرك على الفور.» ثم وصفت له الجارية وصفا دقيقا.
فاغتاظ الخليفة أشد الغيظ وبعث في طلب حمد واد سليمان ووبخه على عدم طاعة أوامره، بل مخالفته أيضا أوامر المهدي. وأرسلت إلي في المساء جارية أخرى أقل دمامة من سابقتها، وكان الخليفة هو الذي اختارها، ولما هدأت بمنزلي سلمتها لمراحم سعد الله الخادم.
واطمأن المهدي والخليفة والأمراء من ناحية الغارات الخارجية، فشرع كل منهم في بناء منزل يوافق مكانته وحاجاته، وأخذت النساء سبايا الخرطوم إلى هذه المنازل الجديدة، وأخذ أسيادهن في التمتع بهن لا تزعجهم نظرة الغريب أو حسد الصديق.
ولم يكن الخليفة والمهدي وقرابتهما يحبون أن يعرف الناس أنهم أخذوا معظم الغنيمة لأنفسهم؛ لأن هذا العمل ينافي تعاليم المهدي الذي يقول بالزهد في ملذات الدنيا. وكانت منازلهم واسعة تسع أكثر ممن فيها؛ وذلك انتظارا للغنائم التي ستأتيهم من البلاد التي لم تفتح للآن.
وفي يوم ما مرض المهدي ولم يذهب إلى المسجد للصلاة، ولم يأبه أحد لمرضه أولا؛ لأنه كان قد أعاد على أسماع الناس عدة مرار أنه سيفتح مكة والمدينة والقدس ثم يموت بعد عمر طويل في الكوفة، وأن النبي قد أظهره على هذه الرؤيا، ولكن مرض المهدي لم يكن وعكة خفيفة؛ فقد استولت عليه حمى التيفوس، وبعد ستة أيام من مرضه بدأ الذين حوله يقنطون من شفائه.
وكان سيدي الخليفة يهتم اهتماما كبيرا بمرض المهدي ولا يبرح داره ليل نهار، وكنت أنا أقف على الأبواب بلا غاية معينة.
وفي مساء اليوم السادس اجتمع جمهور كبير حول بيت المهدي وأمر المصلون في المسجد بأن يصلوا ويدعوا لشفائه لأنه بات في خطر الموت. وكانت هذه أول مرة أعلنت فيه الصفة الخطرة للمرض المصاب به المهدي أمام الناس. وفي صباح اليوم السابع أذيع أن حالته تسوء ولم يبق شك في أنه يموت.
Shafi da ba'a sani ba