وفي هذه الأثناء لم تكن رسل المهدي الذين أرسلهم إلى الجزيرة وانين، فإن عرب جهينة والحوارنة والأجليين ساروا إلى سنار يقودهم أبوروف فحصروها، ولكن جاء السنجق صالح واد المك بقوة من الشايجية فرفع الحصار عنها.
وحاصر الشريف أحمد طه مدينة أبي حرز الواقعة على النيل الأزرق، وكان جيجلر باشا يقوم بوظيفة الحاكم العام رءوف باشا، وقد وصل إلى جوار المدينة فأرسل مك يوسف من الشايجية لمهاجمة الثوار ولكنه هزم، واستحى مك يوسف من الفرار فنزل من ظهر جواده وبسط فروته على الأرض وأمر أحد عبيده بأن يقتله، وسافر جيجار في الحال إلى الخرطوم وهيأ مددا عاد به وأغار على أحمد طه وقتله وأرسل رأسه إلى الخرطوم، ثم طهر جوار سنار من الثائرين بدون أن يفقد عددا كبيرا من رجاله، ولكن على الرغم من هذا النجاح الوقتي كانت الحكومة تتسلم كل يوم أخبارا مزعجة عن الكوارث التي كانت تقع بجيوشها وبالسكان في عدة أنحاء من السودان.
وكانت نتيجة ذلك إرسال عبد القادر باشا حاكما عاما للسودان فوصل إلى الخرطوم في 11 مايو سنة 1882، وشرع بهمة في العمل على تحصين المدينة، وكان لعمله هذا تأثير في الأهالي الذين اتضح لهم أن الحكومة تنوي العمل بهمة، ولكنه في الوقت نفسه أوضح لهم خطورة الحال، وقد أمنت دور الحكومة مثل مخازن المؤن والذخيرة والدفترخانة من جميع الطوارئ، وسحب الحاكم العام إلى الخرطوم حاميات القلابات وسنهيت وجرة، وكان الهدوء التام يشمل هذه المراكز.
وفي هذه الأثناء أدرك محمد أحمد أن حضوره ضروري لكي يشعل النار الخامدة ويحيلها لهيبا آكلا؛ ولذلك قبل دعوة إلياس باشا للتوجه إلى الأبيض وترك عمه محمود شريف مع بعض الأتباع في جبل ماسة للعناية بزوجاته وأولاده، ثم هبط إلى الوادي وجمع جموعه وسار بهم إلى عاصمة كردوفان الغنية.
الفصل الخامس
الثورة في جنوبي دارفور
لما غادرت الفاشر قاصدا دارة في أوائل سنة 1882 كان معي 350 جنديا راكبا بقيادة عمر واد دارهو، ولم يكن هذا الحرس ضروريا ولكني رأيت أن أؤثر في العرب وأريهم أن لدى الحكومة قوات كبيرة تخمد بها أية حركة تدفعهم إليها نزعاتهم.
ولما بلغت دارة زرت قبر إميلياني ونصبت شاهدا من الحجر عليه للذكرى، وكان زوجال بك يقوم مقامه في إدارة الأعمال وكانت الظواهر تدل على أن الحالة قلقة جدا؛ فقد خرج عرب الجنوب وهم الرزيفاف والحبانية والمعالية على الحكومة؛ فقد عقدوا عدة اجتماعات أعلن فيها أن الدراويش يهرعون للانضواء إلى راية المهدي الذي أرسله الله لإعلاء كلمة الدين، فأمرت منصور أفندي حلمي بأن يسافر في الحال إلى شقة لكي يعيد النظام إلى نصابه، وكان معه 250 جنديا نظاميا و25 جنديا راكبا.
فسار عن طريق قلقة - كلاكة - وعدت أنا إلى الفاشر لكي أجمع فصائل الجنود التي كانت متوزعة في أنحاء البلاد لجمع الضرائب ولكي أستعد بهم للطوارئ، وقبل أن أغادر دارة تحادثت طويلا ومليا مع زوجال، وقد كنت أعرف هذا الرجل معرفة تامة عندما كنت حاكما هنا، وقد علمت أنه تحادث مع عمر واد دارهو كثيرا عن أحوال المهدي وأعماله، واتفق معه على أنه إذا استمر النصر معقودا بلوائه فإنهما ينضمان إليه، وكان هذان الرجلان أغنى من في المركز، وكان لهما نفوذ عظيم بين الأهالي؛ ولذلك كان انشقاقهما علينا خطرا جدا، فرأيت أن أتحبب إليهما وأن أعمل كل ما يمكن لمنع هذا الشقاق، فلما حادثت زوجال لم أشر إلى مقابلاته العديدة دارهو، ولكني حصرت كلامي في الإشارة عليه بأنه بالنسبة لقرابته للمهدي وبالنسبة لأنه موظف كبير ينبغي له أن يعاون السلطة الشرعية في البلاد.
ولما ودعت الضباط والموظفين شرحت لهم وجوب انتباههم الدقيق لواجباتهم، وأخبرتهم بأني سأعود من الفاشر في أقرب وقت، ثم تركت الجنود الراكبة في دارة وسرت إلى العاصمة التي بلغتها بعد سفر ثلاثة أيام، وهنا علمت أن المحطة التلغرافية في فوجة قد استولى عليها الثائرون، ورأيت لذلك أن آمر بإرسال المدد إلى أم شنجة.
Shafi da ba'a sani ba