فوضع أخي يده على منكبي وقال: اصبر حتى تتمالك قواك. ثم إن الحجرة ملأى بالنساء.
ولكني نحيته عن سبيلي واندفعت إلى داخل العمارة، وجرى أخي ورائي، فارتقينا السلم وثبا، ثم مرقت إلى الشقة وأصوات البكاء تملأ أذني، فما راعني إلا أن أجد نفسي محاطا بالنسوة من جميع الجهات. وزاغ بصري وحل بي إعياء وارتباك، ولكن أدركني أخي فقبض على ذراعي واتجه بي إلى حجرة النوم وهو يقول: لا تقاوم .. ينبغي أن تخلو إلى نفسك قليلا!
وأجلسني على المقعد الطويل، وأغلق الباب، ثم جلس على حافة الفراش أمامي وقال بحزن: ثب إلى رشدك. لا ينبغي أن يغلبنا الحزن كالنساء، أليست هي أمي أيضا؟ ولكننا رجال.
وراح عقلي يتردد كبندول الساعة، بين أمرين في تركيز جنوني بين شجار الأمس المشئوم وبين رؤيتي لها هذا الصباح. وعلى حين بغتة وثبت إلى ذهني ذكرى فهتفت بأخي: كذب الطبيب! لم تمت عند منتصف الليل .. لقد سمعتها تناديني وأنا أغادر الشقة!
فلاحت الدهشة في وجهه وسألني: وهل لبيت نداءها؟ .. هل تحدثت إليها؟
فتنهدت من الأعماق في شقاء مميت وقلت: لم ألب نداءها لأنني كنت ناقما عليها! .. لشد ما كنت فظا غليظا معها!
وسادنا صمت وحزن. وكان رأسي يكاد ينفجر من الألم والحمى. ثم قلت وكأني أحدث نفسي: لقد قتلتها ما في ذلك ريب! رباه .. كيف هان علي أن أقول لها ما قلت؟!
فرمقني أخي بوجوم، وقال بلهجة تنم عن تحذير: إياك وأن تستسلم لهذه الأفكار!
فقلت بعناد ورأسي يدور جنونيا: لم أعد الحق في قولي؛ لقد قتلتها، ألا تفهم؟ .. إذا أردت أن تستوثق من صحة قولي فادع النيابة والطبيب الشرعي!
فتأوه مدحت قائلا فيما يشبه الخوف: أنت تهذي بلا ريب، وإلا تتمالك نفسك فلن أسمح لك بالسير في الجنازة.
Shafi da ba'a sani ba