155

وأيقظ خاطر سينا ذكريات سارة حاول أن ينفيها لأنها حمق وضعف وقال: «لماذا لا أفعل؟»

فكأنما كف قلبه عن الخفقان. ثم سدد المسدس إلى جبينه في احتفال وإصرار ورفع الزناد فجمدت دماؤه في عروقه وطن في أذنه شيء ومادت به الغرفة.

ولكن الرصاصة لم تنطلق فلم يسمع سوى صوت الزناد فهوت يده إلى جانبه، وهو يكاد يغشى عليه، وكانت كل شعرة ترتجف ورأسه يدور وشفتاه معصوبتان ويده من الاضطراب بحيث سقط المسدس على المنضدة. فقال وعادت إليه نفسه: «ما أغرب شأني.»

ومضى إلى المرآة ليرى فيها وجهه وقال: «أجبان أنا إذن؟ كلا! لست به. لقد فعلتها كما ينبغي وماذا أصنع إذا كانت الرصاصة لم تشأ أن تنطلق؟»

ورامقه خياله في المرآة وكان فيما يرى بادي الجد. ثم أخذ يقنع نفسه بأنه لا يعلق أية أهمية بما حدث ولأجل هذا أخرج لسانه لخياله! ونأى عن المرآة وقال بصوت عال: «إن القدر لم يشأ أن يتم ما أردت.»

وكأنما أنعشه صوته، ثم سأل نفسه: «ترى هل أبصرني أحد؟» وتلفت مذعورا ولكن كل شيء كان ساكنا ولم يسمع حركة وراء الباب. فكأنما لا موجود سواه ولا معذب في هذه الوحدة غيره. وأطفأ المصباح فأذهله أن رأى أولا آشعة الفجر الحمراء ثم استلقى لينام وأحس في نومه شيئا هائلا ينحني فوقه ويخرج أنفاسا من النار.

الفصل الثاني والعشرون

زحف الأصيل في رفق ولين وقد ترفق في حواشيه أرج الأزهار. وكان سانين جالسا إلى منضدة قريبا من النافذة يطالع - أو يحاول أن يطالع - في الضوء الكابي قصة يحبها وهي وصف لمصرع أسقف هرم قضى نحبه وهو لابس ثيابه اللاهوتية وفي يده صليب مرصع والبخور يعقد في الجو سحابات.

وكان الجو في الغرفة باردا مثله خارجها، ونسيم المساء العليل يمسح جسم سانين القوي ويملأ رئتيه ويعبث بشعره، فمضى في قراءة القصة، وكانت شفتاه تتحركان من حين إلى حين، فلو رأيته لحسبته صبيا كبيرا يلتهم حكاية من حكايات المخاطرة بين الهنود، على أنه كان كلما أوغل في الكتاب اسودت خواطره، وتعجب للدنيا كيف حشيت كل هذه السخافة وللناس وكثافتهم ووحشيتهم ولنفسه كيف بذهم وسبقهم!

وفتح الباب ودخل منه زائر فرفع سانين طرفه وقال وهو يطوي الكتاب: «آها، ما عندك من الأخبار؟»

Shafi da ba'a sani ba