وكان بعضهم شديد العناية بأمر المال كثير الضن به ، فإذا قيل له في ذلك أنشد :
كل النداء إذا ناديت يخذلني
إلا النداء إذا ناديت يا مالي
وكان المبرد يقول : الدرهم ذو جناح إن حركته طار ، والدينار محموم إن أزعجته مات.
ومن كلام الكندي لابنه : إن مالك إذا خرج من يدك لم يعد إليك ، وليس كان مثل يكون. ومثل الدرهم مثل الطير هو لك مادام في يدك ، فإذا طار فهو لغيرك. وأعرف بيتا قد أبات أكثر من مائة ألف إنسان في المساجد ، وهو قول القائل (1):
فسر في بلاد الله والتمس الغنى
تعش ذا يسار أو توت فتعذرا
فاحذر بني أن تلحق بهم ، وتكون منهم. ولتكن مع الناس كلاعب الشطرنج تحفظ شيئك وتأخذ بشيء غيرك.
وكان هذا الرجل إذا صار الدرهم في يده خاطبه وناجاه ، وفداه واستبطاه وقال : بأبي أنت وأمي كم من أرض قطعت ، وكيس خرقت ، وكم من خامل رفعت ومن رفيع بمفارقتك إياه أخملت. لك عندي ألا تعرى ولا تضحى ، ثم يلقيه في كيسه ويقول : أسكن على بركة اسم الله في مكان لا تزول عنه ولا تزعج منه.
ومن نوادر البخلاء ما حكاه محمد بن أبي المعافى التميمي قال : كان أبي منتحيا عن المدينة ، وكانت إلى جنبه مزرعة فيها قثاء ، وكنت صبيا قد ترعرت ، فجاءني صبيان من جيراننا ، وكلمت أبي ليهب لي درهما أشتري به قثاء ، فقال لي : أتعرف حال الدرهم؟ كان في جحر جبل ، فضرب بالمعاول حتى استخرج ، ثم طحن ، ثم جعل في القدر وصب عليه الماء ، وجمع
Shafi 56