مفاكه ، فما ظنك بسقيم بحر ناقه ، من موز كمكاحل الذهب ، ورطب كظلم الحبيب إذا وهب ، وأعناب كالدرر المسلوكة ، وحلاوات كالدنانير المسبوكة. فقضينا به يومنا ، واستطبنا فيه نومنا. وكان فيه أول مشاهدتنا للكفرة أولي الجحيم ، فاستعذنا بالله تعالى من الشيطان الرجيم. ولم يكن يقع النظر قبل ذلك على أحد ممن هو على غير ملة الإسلام عصمنا الله بهدي صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام وحاولنا المرسول إلينا ، والموكل علينا في السفر من البر ، فقد سئمت النفوس مكابدة ذلك البحر الأغبر (1) فأبى إلا السفر على الماء ، وامتطاء تلك المطية الدهماء. فعدنا وفي النفوس من الألم ما الله سبحانه به أعلم. وما ألطف قول القائل :
البحر أهون من مرارة مائه
أن تستقر بأضلعي الرمضاء
وما كان منعه من ذلك إلا فرارا من الانفاق ، وخلافا للوفاق. وكان ممن يرى دخول النار ، ولا خروج الدينار ، ووصال الهم ، ولا فراق الدرهم.
الشمس أقرب من دينار صرته
والصخر أندى يدا منه لطالبه
وأبدع البديع في وصف بخيل فقال : قد جعل يمينه أمينه ، ودنانيره سميره ، ودرهمه شقيقه ، ومفتاحه رفيقه ، وصندوقه صديقه ، وخاتمه خادمه. وبالغ من قال وتلطف (3):
إن هذا الفتى يصون رغيفا
ما إليه لناظر من سبيل
Shafi 55