Salah Din Ayyubi
صلاح الدين الأيوبي وعصره
Nau'ikan
و(هيو) صاحب طبرية. وما زال صلاح الدين بعد ذلك النصر حتى فتح الحصن (مخاضة الأحزان) ودمره وألحقه بالأرض. ومنذ ذلك الحين استمر الرجحان إلى جانب الدولة الإسلامية وأخذ صلاح الدين خطة الهجوم، وكان يده اليمنى في هذه الحروب الأمير عز الدين «فرخشاه» ابن أخيه «شاهنشاه»، وكان بطلا أظهر مقدرة كبرى في موقعة دمشق سنة 1178م وموقعة مخاضة الأحزان سنة 1179م، وقد جعله صلاح الدين أميرا على بعلبك، ومن هناك جعل يهوي على ما جاوره من بلاد الفرنج مثل الكرك سنة 1881م، وكان من أمنع حصون الفرنج وصاحبها البرنس أرناط «رجنالد دي شاتيون» وهو من أشجع أمراء الفرنج كما كان من أقساهم وأكثرهم غدرا.
وكان صلاح الدين في أثناء هذه الحروب غير خالص من المتاعب مع جيرانه المسلمين، ولكن يجب أن نذكر أن الملك الصالح وسيف الدين غازي (الثاني) بقيا على عهدهما إلى أن لحقا بربهما، وسواء أكان برا بالعهد أم خوفا من النضال الذي لا أمل للانتصار فيه فإن صلاح الدين لم يذم جوارهما بعد صلح سنة 1176م، وكان أكبر نضاله مع صاحب قونية وهو «قلج أرسلان»، ولا حاجة بنا أن نقول: إن قلج رأى بعد قليل أن الحكمة في أن ينثني أمام قوة جاره العظيم. (14) أعمال صلاح الدين بمصر بين سنة 1176-1181م/572-577ه
كان صلاح الدين يتردد إلى مصر بين حين وحين عندما يرى يده خالية من أعمال الحرب في الشام وما يليها، وكان ينتهز فرصة وجوده في تلك البلاد لكي يقيم فيها المدنية التي هي جديرة بها؛ فقد كان يحس أن مصر هي الإقليم الذي يليق للمدنية بحكم ثروته وطبيعة موقعه؛ فإن ذلك الوادي الخصب منعزل عن العالم الخارجي بصحاري تكنفه من الشرق والغرب، وحدوده من الشمال طبيعية لا يسهل على المغير اختراقها لا سيما في تلك الأزمنة، فلا بد أن تكون منه دولة وأن تكون دولة عظيمة إذا وجدت من يسير دفتها تسيير حكيم خبير. وقد أدرك صلاح الدين بعينه الثاقبة وذكائه المتوقد أن عظمة تلك البلاد في الماضي آية على أنها من أصلح أراضي العالم للمدنية لو عرف أهل الحكم فيها كيف يصلون إلى إقامتها من قواعدها الصحيحة. ولكن الحرب عدو للاطمئنان والاستقرار، والمدنية لا تنبت إلا في جو من الطمأنينة التامة؛ ولهذا رأى أن يجنب ذلك القطر شرور الاضطراب بقدر ما تسمح به الظروف، فعمل ما في وسعه لتحصين بلاد الشمال من إغارة الفرنج بعد أن علم من سبقت لهم إغارة عليها أن حربه تكلفهم كثيرا. ثم رأى أن الوقت لائق لتحصين الداخل ببناء القلعة التي سبق له التفكير فيها وبناء سور حول العاصمة يقيها العدو إذا هو هبط إليها.
برج في القلعة.
فبدأ في بناء القلعة بعد عوده من الشام سنة 1176م بعد أن انتهى من الصلح مع الملك الصالح وسيف الدين غازي (الثاني)، وبعد أن فرغ من نهب بلد الإسماعيلية كما تقدم، ولكنه لم يستطع إتمام كل البناء في حياته؛ لأن الحرب لم تلبث أن دعته مرة أخرى إلى ترك ما في يده من الأعمال الوادعة وخوض غمار الدماء بعد سنة 1181م، وسيظل في ميدان القتال بعد ذلك إلى وفاته.
وليست القلعة الحالية التي نراها بالقاهرة هي قلعة صلاح الدين بعينها؛ فقد دخل عليها من التغيير شيء كثير في مدة من جاء بعده من أسرته أولا ثم من دولة المماليك بعد ذلك. والذي تم بناؤه من القلعة في حياة صلاح الدين هو هيكلها وبئر الحلزون الذي حفر في الصخر إلى عمق نحو تسعين مترا، وكذلك السور بين القلعة والقاهرة على حافة الجبل الشرقي في المكان الذي به (باب الوزير). وأما سائر القلعة فلم يتم إلا في مدة الملك الكامل ابن أخيه بعد نحو ثلاثين سنة من وفاته. وقد أقام صلاح الدين سورا آخر على حافة الصحراء الغربية بالجيزة تحصينا للقاهرة من الغرب، ولكن ذلك العمل كان في مدة متأخرة بعد عام سنة 1181م. وبناء القلعة والسور ليس مثل بناء سور القاهرة القديم ولا مثل السور الذي جدده بدر الجمالي في دولة الفاطميين؛ فإن مباني القاهرة كانت - في الغالب - على النمط البوزنطي منقولة عن مباني القسطنطينية والدولة الرومانية الشرقية.
باب في قلعة صلاح الدين.
وأما مباني قلعة صلاح الدين فكانت على النمط الفرنجي، وليس ذلك بغريب؛ فقد نشأ صلاح الدين في الشام وحارب فيها وعرف أساليب دفاع الفرنج في حصونهم، فكان ذلك النمط أقرب إلى نفسه. ولعله كذلك كان أوفى بغرضه من النمط البوزنطي، وكان يجعل عماله في بناء القلعة جماعات من الأسرى المسيحيين الذين كان يأسرهم في حروبه.
لكن نظر صلاح الدين إلى الإصلاح لم يكن مقصورا على التحصين، بل إنه كان يرى أن أساس عظمة الدولة لا بد أن يكون الشعب فانصرف إلى العناية به.
ولقد كان صلاح الدين بطبعه رجل سلام ومدنية، ولو أنه كان ملكا في غير تلك العصور لكان كالمأمون وأمثاله، ولكنه اضطر - بحكم عصره - أن يجعل حياته للكفاح والنضال؛ ولذلك نجد أعمال السلم قليلة إلى جانب حروبه العظيمة.
Shafi da ba'a sani ba