Yarinyar Tehran
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
Nau'ikan
ونظرا لتعددية أجناس الكتابة الأدبية للسيرة الذاتية، فقد تتداخل أحيانا تلك الألوان وتذوب الجدران الفاصلة بين السيرة الذاتية، والمذكرات، واليوميات، والرواية الشخصية، وقصيدة السيرة الذاتية، والبورتريه الذاتي، ثم علاقة كل ما سبق بفن الرواية كما نعرفها. إلى جانب أن نظرية «الكتابة عبر النوعية»، تساهم كثيرا في تداخل خيوط كل ما سبق، ومن ثم الافتقار إلى معايير محددة حاسمة للفصل فيما بينها. على أن الملاحظ أن السيرة الذاتية قد تقترب من سرد أحداث شخصية، بقدر ما تبتعد عن سرد الأحداث العامة، في حين تركز المذكرات واليوميات غالبا على تدوين الأحداث، عامة أو خاصة، دون التعليق على الحياة الشخصية لكاتب المذكرات.
على أن الزمن المروي في الرواية قد يعد معيارا للفصل بين السيرة الذاتية واليوميات. فالسيرة الذاتية عادة ما تنسج خيوطها في فترة محددة من حياة الكاتب حدثت فيها التجربة الأهم أو الأنصع، في حين تسبح اليوميات في لجة الأحداث يوما بيوم، دون تراتب قيمي لأهمية هذا الحدث أو ذاك. على أن الجنسين عادة ما ينطلقان من الحاضر إلى الماضي، ومن لحظة الكتابة صوب الفترة الزمانية للتجربة المعنية. لهذا فإن المساحة الزمنية التي تفصل بين لحظة الكتابة وزمن التجربة تكون في السيرة الذاتية أوسع منها في اليوميات.
المكان والزمان في سجينة طهران
مما سبق نجد أن «سجينة طهران»، تنتمي إلى «أدب السيرة الذاتية»، أو «رواية السيرة الذاتية». تنطلق الأحداث من اللحظة الراهنة (لحظة الكتابة، أو اتخاذ قرار الكتابة)، بعدما برئت الكاتبة، أو كادت أن تبرأ، من ذلك الكابوس الجاثم على ذاكرتها جراء رحلة عذابها في معتقل طهران. لحظة الكتابة هنا جاءت بعد عشرين عاما من «الحدث»، أو محفز الكتابة ومفجرها.
وأما مكان الكتابة، فلم يكن هو ذاته مكان الدراما، (عنبر رقم 246، أو الزنزانة الانفرادية رقم 27، أو غرفة الإعدام التي نجت منها بأعجوبة)، بل كانت في المنفى الاختياري، كندا، الذي فرت إليه مع زوجها الثاني، الزوج الحقيقي، وطفلها ابن العامين.
على أن مسرح الأحداث الرئيس يظل هو طرقات المعتقل وعنابره وزنازينه، تناوشه أماكن أخرى مثل كوخ العائلة على الشاطئ، وصخرة الصلاة، التي كانت تهرب إليها كلما أرادت أن تذهب إلى الله، والتي سوف تخبئ في جوفها خاتم زفافها بعد موت الزوج الجلاد، مع ناي أراش، والعقد الذي منعه الموت من أن يهديه لها، مع كل ما تخبئه فيها من أسرار صغيرة، وكذلك فصول المدرسة الثانوية، وساحات التظاهرات، وغرفة جدتها الروسية في بيتهم بطهران، والمكتبة المجاورة التي كان صاحبها الكهل الطيب ألبرت يزودها فيها بالقصص الملونة، وقد كانت تلك الكتب رفيقتها الأثيرة، وربما الوحيدة في تلك المرحلة النقية، قبل خوض التجربة المرة.
الذاكرة، البطل
مع أن «المكان» - سجن إيفين بأسواره العالية وزنازين تعذيبه وغرف إعدامه وجلاديه ومعتقليه - يمكن أن يعد البطل الرئيس لهذه الرواية، فإنني أعتبر أن الذاكرة، ذاكرة الكاتبة، هي البطل المحرك أو المحرض على فعل الكتابة. الذاكرة هي الريشة التي دونت على الورق، والذكريات هي قطرات المداد التي تشكلت حروفا وكلمات ووجعا وعذابات.
شلال الذكريات الحزينة الذي ظل يضرب عقل مارينا سنوات طوالا، لم يكن من علاج له إلا أن يتمخض الوجع في الأخير عن فعل «كتابة». فحين لم تستطع أن «تنسى» كان الحل في أن «تتذكر». فنحن نقتل ذكرياتنا بكتابتها. الأدق أننا نقتل «مطاردتها» لنا، حين نشل حركتها ونجمدها على هيئة حروف فوق ورق، في دفتر، نحفظه في درج المكتب. وهذا ما كان. حتى وإن كان في قتلها إحياء أبدي لها، وحفظ لها في ذواكر القادمين.
الذاكرة، والذاكرة المركبة
Shafi da ba'a sani ba